خالد الناصير
يعِدنا السيد إيلون ماسك، المُدير التنفيذي لـ “تِسلا” بقُدرات غير مسبوقة في الجيل المُقبل من نظام القيادة الذاتية في سيارات الشركة، تقترب من المُستوى الخامس، لكن قد تُقيِّد التنظيمات الحُكومية شُيوعَ هذا النظام.
يُعتبر نظام “السائق الآلي Autopilot” من شركة تِسلا Tesla الأمريكية، لإنتاج السيارات الكهربائية، من أكثر أنظمة مُساعدة السائق تقدُّمًا، وعلى عكس ما يُوحي به الاسم الطموح، فإنه ما يزال في “المُستوى الثاني Level 2“، ويُمكن لـ “السائق الآلي” في هذا المُستوى من السيطرة على وظائف التوجيه والتسارع والكبح في بعض الظروف، لكن على السائق أن يُولي انتباهًا تامًا له طوال الوقت مُراقبًا ظروف القيادة وتولي باقي مهام القيادة، والتدخل عند الحاجة لتولي السيطرة التامة عليها.

تُواظبُ تِسلا على إرسال تحديثاتٍ دورية لاسلكيًا Over-the-Air لبرامج التشغيل سياراتها، وقد أصبحت تتضمن الآن العديد من سِماتِ القيادة الذاتية من “المُستوى الثالث”، لكن يوجدُ خلافٌ في تحديد النُقطة التي وصلنا إليها بدقَّةٍ، فالإدارة الوطنية لسلامة السير على الطرقات السريعة NHTSA الأمريكية تقول بأنه لا يوجد لغاية الآن أي صانع يُوفِّر مركبات تتضمن أنظمة قيادة ذاتية من المُستوى الثالث على المُستوى التجاري الواسع، رغم أن شركاتٍ أخرى، من بينها أودي الألمانية، تعمل على تطوير أنظمة القيادة الخاصَّة بها على عدة مُستويات.
تُرشدنا “جمعية مُهندسي السيارات SAE” للفروقات بين المُستويات، فتقول: “في المُستوى الثالث؛ يُنجز النظام بنفسه جميع جوانب القيادة في بعض الظروف، وفي هذه الحالات، ينبغي أن يكون السائق مُستعدًا لاستعادة مهمة قيادة المركبة عندما يطلب منه النظام ذلك، ويُمكن للسائق في جميع الظروف توَّلِّي جميع مهام القيادة”.
لا يُلقى ماسك بالًا لذلك، فكما قال صديقي الذي يدرس الهندسة في ألمانيا “إيلون ماسك هو كيم كارداشيان النيردات”، مُشيرًا إلى أنه رجلٌ استعراضي لدرجة الفضائحية يجذب الطُلّاب الذي يدرسون العُلوم ويعشقونها، فماسك يُحدثنا الآن عن المُستوى الخامس! ويُبشِّرنا بوُصوله قريبًا، قائلًا “ما زلتُ واثقًا بأن يُمكننا في هذا العام [2020] إنجاز القُدرة التشغيلية الأساسية لأنظمة القيادة الذاتية من المُستوى الخامس”.
إنه كلامٌ حمّالُ أوجه، فهو يعِدنا بـ “القُدرة التشغيلية الأساسية” وليس النظام كاملًا.

على أيِّ حال، يُعتبر الانتقال للمُستوى الخامس قفزةً هائلةً؛ لن يكون من الضروري وجود مقود ودوّاسات، بل يُمكن للناس النوم في السيارة فيما تسير إلى الوجهة المطلوبة، أو إرسال السيارة خاليةً إلى الوجهة المطلوبة – لأخذ طفلٍ من المدرسة مثلًا، ويُعرَّف المُستوى الخامس بـ “نظام قيادة مُؤتمت ADS في المركبة يُمكنه القيام بجميع مهام القيادة في جميع الظروف، والأشخاص داخل المركبة مُجرَّد رُكّاب وليس عليهم الاشتراك بقيادة السيارة إطلاقًا”.
تحدَّثَ ماسك عن هذا النظام في تقرير نتائج الرُبع الثاني من العام 2020 في شركة تِسلا: “لقد اختبرته شخصيًا آخر (إصدار ألفا) من برنامج القيادة الذاتية بالكامل خلال استخدامي لسيارتي، وأعتقد فعلًا بأنه أفضل مما يتوقعه الناس، إنه رائعٌ بحقّ، لقد وصل لمرحلةٍ بحيث يُمكنني استخدامه للانتقال من منزلي لمكان عملي بدون تدخل، وعلى الرغم من أنه يمر بمرحلة بناء وظروف مُتغيِّرة للغاية، لذا فلهذا أنا واثقٌ للغاية بأن وظائف القيادة الذاتية بالكامل ستكتمل بنهاية العام الجاري، وذلك لأنني أقوده حرفيًا”.

إعادة كتابة القصة من جديد
لأجل ذلك، تُعيد شركة “تِسلا” كتابة الترميز البرمجي لنظام القيادة الذاتية بأكمله، بإدخالِ تغييرات جذرية في بنيته الأساسية. سعيًا للبناء عليه لاحقًا وُصولًا لقُدرات القيادة الذاتية بالكامل Full Self-Driving Capability، وقد بلغت الشركة فيه مبلغًا عظيمًا حيث باتَ قاب قوسينِ أو أدنى من الوُصول للطريق، من خلال طرحه على نطاقٍ ضيِّق للعُموم في غُضون ثلاثة إلى خمسة أسابيع.
جديرٌ بالذكر أن النظام الحالي خضَعَ بدوره لتحديثاتٍ وتطويرات مُستمرة طوال السنوات الماضية، وتوافر مجانًا أو مع خصائص مدفوعة مثل “الملاحة على نظام القيادة الذاتية Navigate on Autopilot”، ويُعتبر النظام الحالي “طفلًا يحبو” في عالم القيادة الذاتية، ويحتاج بعض الوقت والتطوير ليشتدّ عوده ويقِف على قَدَميه.

كما أسلفنا، إيلون ماسك أولُّ المُجرِّبين لهذا النظام، وردّ الرجلُ على سُؤالٍ من أحد مُتابعيه على موقع التدوين المُصغَّر تويتر، حول موعد وُصول القيادة الذاتية للسيارات، فكتب مُجيبًا: “سيأتي التحديث في نظام القيادة الذاتية بالكامل بمثابة قفزة نوعية، لأنه يُعتبر إعادة كتابة للبنية الجذرية، ليس مجرد تحسينات إضافية. أستخدم هذا النظام بنُسخته الاختبارية Alpha في سيارتي، وتقريبًا لا يتطلَّب تدخلي على الإطلاق في المسافة ما بين منزلي ومكان عملي. سنُقدِّم إصدارًا للعُموم على نطاقٍ ضيِّق في فترةٍ ما بين 6 و 10 أسابيع”.
كما وعدَنا بأن هذه التقنية ستكون جاهزة بالكامل في نهاية العام الجاري. لكن هذا لا يعني بأنه سيكون من المُستوى الخامس تمامًا، أو قادرً على قيادة السيارة بدون مُساعدة، بل يعني بأن سيتضمَّن جانبًا كبيرًا من مزاياها، وسيحتاج لتحسينات طفيفة بعد ذلك، تتناسب مع المُلاحظات والاقتراحات التي سيحصل عليها فريق التطوير من تجربة المجموعة المُختارة من العُملاء ضمن برنامج “الوُصول المُبكر Early Access” الذين سيُجربون النُسخة شبه النهائية Beta Version السابقة للإصدار النهائي.

مقصُّ الرقيب
لا يعني كل هذا أننا سنرى سيارات تِسلا “تتمختر” لوحدها في الشوارع، إذ ستحتاج مزيدًا من الاختبارات والتجارب من جهاتٍ مُستقلةٍ ومُتخصصة للتأكد من عمل النظام جيدًا، إلى جانب مُواقفات الجهات التنظيمية والرقابية وحتى التشريعية، حيث يحتدم الجدَل بشأن تقنيات القيادة الذاتية خُصوصًا مع حُصول حوادث مُرتبطة بهذه الأنظمة ليس من تِسلا وحسب، بل من برامج قيادة ذاتية أخرى، أو إساءة استخدامها من أشخاصٍ مُتهورين، إلى جانب جهاتٍ أخرى لديها مخاوفها المُبررة من رُؤية سيارةٍ تسيرُ لوحدها، من جمعيات حماية الأطفال وحُقوق المُستهلك وُصولًا للمُتشائمين الذين سيرون في هذا مُقدمةً لـ “سكاي نِت Skynet” تُسيطر على البشرية وتقضي عليها!

يعترف ماسك بهذه الصعوبات، وردَّ على سُؤالٍ يتعلَّق بالمُوافقات اللازمة قائلًا: “إنه أمرٌ خارجٌ عن يدي، لذا من الصعب التكهُّن بذلك، رُبما إجراء 10 بلايين كيلومتر من التجارب في العالم الحقيقي سيكون كافيًا لإقناع الجهات التنظيمية”.