أحدث المواضيعتويوتاخبر اليوممقالاتمواضيع رئيسية

تويوتا “لونار كروزر”… الأٌلفة في الفضاء

خالد الناصير

تضاءل الاهتمام بالفضاء بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وانتهاء الحرب الباردة، سنختصر عُقودًا من الزمن بالتالي: انتهى برنامج محطَّة الفضاء السوفياتية – الروسية “مير Mir” بانتهاء عُمرها في 2001، حلَّ مكانها محطة الفضاء الدولية ISS في العام 1998، وهو برنامجٌ تشترك فيه أمريكا وروسيا وكندا واليابان وعشر دولٍ أوروبية أخرى، أما الأمريكان فقد أنهوا برنامج مكوك الفضاء (اسمه الرسمي “نظام النقل الفضائي STS”) في العام 2011 مع آخر رحلة لمكوك الفضاء “أطلانطس Atlantis”. علمًا بأن هذه البرامج لا يُمكن اعتبارها غزوًا للفضاء بمعناه العميق، بل بالكاد مثَّلت خُروجًا إلى الشارع الذي يمُّر أمام منزلنا، إذ إنها جميعها تمت ضمن المدار الأرضي المُنخفض Low Earth Orbit.

مع مطلعِ الألفيةِ الجديدة، أصبحت مهمات الفضاء لاستكشاف الكون غير مأهولة وتُدار عن بُعد، وأصبحَت برامج الفضاء في جميع الدول تحتَ رحمة المسؤولين الذين جعلوها ضحيةً لكل أنواع تقليص الميزانيات والإلغاء عندما تسوء الأحوال المالية. وانتهى ذلك البريق الذي يُحيط باستكشاف الفضاء، عندما أصبح أطفالُنا يحلمون بأن يُصبحوا لاعبي كرة قدَم أو فِنّانين أو مُبرمجين في أفضل الأحوال، في أيامنا كان حُلم أطفال العرب من المُحيط إلى الخليج العربي بأن يُصبحوا مثل رائدَي الفضاء العربيين الأمير سُلطان بن سلمان آل سُعود في من السعودية (صعد للفضاء عام 1985) ومُحمَّد أحمد فارس من سوريا (صعد للفضاء عام 1987).

عودةٌ للحاضر، أخذ القطاع الخاص على عاتقه قيادة الجيل المُقبل للعودة للفضاء، لدينا أكثر من عشر شركات خاصَّة هدفها استكشاف الفضاء وإطلاق الصواريخ والأقمار الصناعية وغيرها من الخدمات، يُعتبر برنامج الفضاء “سبيس أكس SpaceX” الذي يملكه ويُديره إيلون ماسك Elon Musk، أنجح مشروعٍ في هذا القطاع، يبدو معه برنامج إنتاج السيارات الكهربائية مُجرَّد مشروعٍ جانِبيٍّ أمام طُموحات ماسك الذي يتوق لاستعمار كوكب المرِّيخ، تمتلك “سبيس أكس” صواريخ فضاء وقُمرات يُمكن إعادة استعمالها.

تويوتا لإنتاج السيارات تختار اختيار اسم “لونار كروزر” لمركبتها القمرية الجوّالة المأهولة.

بخلاف ذلك، تبدو تويوتا الآن شركة السيارات الأقرب للوُصول للفضاء، حيث تتعاون مُنذ فترةٍ مع وكالة استكشاف الفضاء اليابانية Japan Aerospace Exploration Agency – JAXA من أجل تطوير مركبة تجوال قمرية مأهولة مضغوطة ومعزولة، تعمل بالكهرباء بتقنية الخلية الوُقودية Fuel Cell EV، وقد اتفقت الشركة و”جاكسا” على أن تحمل المركبة المُترقبة اسم “لونار كروزر Lunar Cruiser” وفي هذا ربطٌ بطرازها “لاند كروزر Land Cruiser” رُباعي الدفع المُعتبر والمشهور بكونهِ سيارةً تستكشِف المجهول على كوكبنا، فكيف على الأجرامِ السماوية الأخرى!

يُعتبر اسم “لاند كروزر” الاسم الأطول استخدامًا ضمن عُروض تويوتا. واُختيرَ الاسم “لونار كروزر” لأنه يمنح شعورًا بالأُلفة للأشخاص المُشاركين في البحث المُشترك لتطوير وإنتاج النموذج الأولي للمركبة، وأيضاً للأُلفة التي يمنحها للجمهور.

لونار كروزر

وضعت الشركة والوكالة جدولًا زمنيًا للسير عليه وُصولًا لإنتاج المركبة بحِلتها النهائية، ومن المُقرَّر أن يبدؤوا هذا العام بمرحلة إنتاج القطع الأولية الضرورية مطلع العام المُقبل، على أن تُجرى الاختبارات الأولية على هذه القطع وإنتاجها في 2021. وينصبُ تركيز تويوتا على توفير الجودة والمتانة والموثوقية التي تُشتهَر بها سيارات “لاند كروز”، إلى جانبِ منح الرُوّاد ثقةً بأنهم “سيعودون بالتأكيد إلى الوطن [الأرض]”.

وسيُجرون اختبارات مُحاكاة للتحقُّق من قُدرات المركبة خُصوصًا لاحتمال الحرارة اللاهبة خلال القيادة، كما سيبدؤون برنامج إنتاج القطع الاختبارية لكل جُزءٍ رئيسي من المركبة والنموذج الاختباري ومنها الإطارات، والتصميم الداخلي للمقصورة باستخدام برامج الواقع الافتراضي ونماذج مُجسَّمة بالحجم الكامل لها.

لن تكون مهمة تطوير النماذج الأولية للمركبة هيِّنة، وهنالك العديد من المشاكل لعلاجها، منها أن جاذبية القمر تبلغ سُدس جاذبية كوكب الأرض، وضرورة أن يُوفر بدن المركبة حماية رواد الفضاء من الإشعاعات الكونية ودرجات الحرارة المُتطرفة ما بين السُخونة والبُرودة، وغيرها من الظروف القاسية، وعدم توافر غلاف جو وهواء على القمر، لذا يحتاجون لمركبة مضغوطة تُؤمن الحماية وقادرة على السير لفترات طويلة.

من المُخطط أن يظهر أول نموذج اختباري بالحجم الكامل في العام 2022، لتُجرى عليه عمليات التجربة والاختبارات، بينما سيبدأ العمل على تصميم وتنفيذ النماذج النهائية اعتبارًا من العام 2024. أما المرحلة الأخيرة فستكون في العام 2027، مع إنتاج المركبة بعدة أشكال مع ما يَلزَم من تجهيزات وتنفيذ اختبارات الجودة عليها، مع الأخذ بالاعتبار إمكانية توضيبها في صاروخ.

جديرٌ بالذكر أن تويوتا وميتسوبيشي للصناعات الثقيلة Mitsubishi Heavy Industries تقودان مجموعة العمل لفريق اليابان Team Japan Working Group التي تأسست في آب (أغسطس) من العام 2019، لدراسة طرائق المُساعدة على إيجادِ حُضورٍ مُستدام للبشر على سطحِ القمر، ساهم في المشروع الياباني 100 شركة لغاية الآن. وسيتطلَّبُ الأمر تعاونًا دوليًا واسعًا ليُصبح هذا الهدف الطموح تعاونًا، علمًا بأن الإدارة الوطنية للملاحة الجوية والفضاء “ناسا NASA” الأمريكية لديها برنامجًا مُشابهًا يحمل اسم “برامج أرتِميس Artemis Programme”، حيث يهدف الحُضور الأمريكي على القمر لجعله قاعدةً مُتقدمةً لاستكشاف كوكبِ المرِّيخ، فضلًا عن تأسيس الجيش الأمريكي قيادة الفضاء SPACECOM قبل عامٍ واحدٍ تقريبًا.

أسست شركة تويوتا قسمًا خاصًا لتطوير هذه المركبة أسمته أعمال مركبة الاستكشاف القمَرية Lunar Exploration Mobility Works، في الأول من حزيران (يونيو) 2019، مع خطط لتوسعته وزيادة عدد العاملين فيه.

لن تكون “لونار كروزر” مركبةً اعتياديةً، بل ستُؤدِّي دورًا أساسيًا من أجل التوسُّع البشري على سطح القمر، ومُساعدة رُوّادَ الفضاء على استكشافِ قُطبَي القمر على أمل العُثورِ على جليد الماء في الفُوُّهات الصدمية النيزكية المُعتمة، والتنقيب عن أية موارد ذات فائدة على سطحه، ووضعت “جاكسا” خطةً للوُصول للقمر خلال هذا العقد.

تتطلع الشركة اليابانية لتوسعة أنشطتها في صناعة وسائط النقل لتشمل الفضائية منها، حيث تنوي العمل على مفهوم “النقل الفضائي Space Mobility” خلال أعمال تطوير هذه المركبة. وتبدو المُواصفات التقنية للمركبة رائعة وواعدة، وإذا حققت نجاحًا كبيرًا مع “جاكسا” فإنها قد تجذِب وكالات فضاء أخرى لشرائها وتدعيم برامجها في اكتشاف القمر أو حتى المرِّيخ.

يبدو تصميم المركبة قريبًا من هوية مركبة الدفع الرُباعي “أف جاي كروزر FJ Cruiser” في المُقدمة، ويقوم تصميمها على مبدأ “التصميم يتبع الوظيفة، ولا يوجد أي شيء غير مألوف عمّا هو مُتوقع من مركبة تجوال فضائي، فشكلها صندوقيٌّ بمُعظمه، بخلاف الزجاج الأمامي بتصميمه المائل في الأعلى والأسفل – لزيادة مدى الرُؤية أسفل المركبة، ومُزوَّدة بستِّ بعجلات مع إطارات لاهوائية من أجل مرونة الحركة على التضاريس.

في حين يبدو حجم المركبة عاديًا في الصور ويُشبه شاحنةً صغيرةً مُغلقة، إلا إنها كبيرةٌ على أرض الواقع أو عند وضع رائد فضاء إلى جانِب المركبة في التصاميم الأولية؛ يُساوي حجم حافِلَتَين تقريبًا، وطول المركبة ستة أمتار تقريبًا، وعرضها 2.5 مترين، وارتفاعها 3.8 أمتار، ووزنها 6.35 أطنان، وقادرة على نقل حُمولات ورُوّاد فضاء بوزن 3.65 أطنان تقريبًا، بفضل مقصورة داخلية حجمها 13 مترًا مُكعبًّا تقريبًا.

تُؤمِّن هذا المركبة وسيلة نقلٍ مُستدامة على القمر بالنظر لمداها التشغيلي الطويل، وإمكانية تنفيذ مهمات طويلة في أماكن نائية على سطح القمر، علمًا بأنها تتحصَّل على الطاقة الكهربائية اللازمة لتسييرها من خلايا وقودية تُحوِّل الهيدروجين لكهرباء، تكفي للسير 10 آلاف كيلومتر، ويُمكنها نظريًا اجتياز مُحيط القمر عند خطّ الاستواء (10921 كيلومتر). وبإمكان رُوَّاد الفضاء من العيش في المركبة بدون الحاجة لارتداء بذات الفضاء، وحتى تشغيلها للسير بنظام قيادة ذاتية.

تُعتبر الخلية الوقودية خيارًا مثاليًا لتشغيل المركبة، فهي ذات كثافة طاقوية عالية، وصديقة للبيئة، ووسيلة مثالية لإنتاج كمية وفيرة من الطاقة الكهربائية، ولا ينتج عنها مُلوثات، فلا ينتُجُ من عادمها سوى الماء والهواء الزائد من عملية التفاعل فقط وسيكونان مُفيدان للرُوَّاد. كما يُمكن في حالة مركبة التجوال القمرية توفير وحدات نموذجية Module من هذه الخلايا، قابلة للاستبدال بسُرعة.

ستكون “لونار كروزر” قادرة على توليد كمية إضافية من الكهرباء من خلال ألواح كهرضوئية. وستتضمن المركبة أيضاً طبقًا لاقطًا وهوائيات للاتصالات، وبكرة رافعة Wench في المُقدمة، فيما يوجد باب خلفي كبير الحجم للصعود للمركبة والنزول منها وإدخال المعدات والحُمولات وإنزالها.

أخيرًا، نترككم مع أبياتٍ من قصيدةٍ كتبها الشاعر السعودي الراحل عبدالرحمن عبداللـه الملق، احتفاءً برحلة رائد الفضاء السعودي سُلطان بن عبدالعزيز

ما حقَّق العلم للإنسانِ من هَدَفٍ *** في الكائناتِ بماضي الدهر مُنغلِقا

ولا اعتلى القمرَ الوضَّاء رائدُهُ *** يمشي رُوَيدًا باحثًا حذقا

مُسنِّمًا عَلَمَ الإنسان ذروته *** يحكي عن الأرض سِرًّا شَعَّ وانبثقا

Facebook Comments

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
error: