انخفاض كبير لمبيعات تسلا الأمريكية الرائدة في السيارات الكهربائية وذلك في أسواقها الرئيسية على أراضي القارة العجوز، وهذا ما صب في صالح الأسماء العريقة في الصناعة.
صناعة السيارات من الصناعات العصية على الأسماء الجديدة، فمعظم العلامات التي نعرفها اليوم يعود تاريخها إلى النصف الأول من القرن الماضي، لا بل أن أغلب الأسماء مضى على تأسيسها أكثر من قرن من الزمن وعدة منها يعود تاريخها إلى أواخر القرن التاسع عشر. فحتى هيونداي أبصرت النور قبل أكثر من خمسين عاماً، وربما لا يوجد استثناءات إلا من بلاد التنين والتي للساعة لم تنجح بعد في فرض حضورها بشكل واسع خارج سور الصين العظيم.
لكن مهلاً، لم تعد صناعة السيارات كما كانت، ونحن نمر في منعطف هو الأكبر على الإطلاق في تاريخ السيارات. فلو نظرنا بعين المنطق فالسيارات لم تتغير على الإطلاق منذ عقود وعقود، فهي مازالت تحافظ على نفس التركيبة الأساسية، أربع عجلات ومقود ومحرك احتراق داخلي يعتمد التقنية الأساسية الأصلية في مبدأ عمله سواء البنزين أو الديزل، طريقة القيادة هي ذاتها وعلبة تروس سواء يدوية أو أوتوماتيكية فإنها موجودة للغرض الأساسي الذي أبصرت النور لأجله، وحتى الأشكال الأساسية للسيارات هي نفسها فعلياً، محرك في الأمام وأربعة أبواب وصفين من المقاعد أو أكثر أو أقل، وصندوق في الخلف للأمتعة… باختصار، عرفت صناعة السيارات وعلى مدى أكثر من قرن الكثير والكثير من التحسينات، لكنها لم تخرج أبداً عن الأساسيات! إلا أن الأمور في تغير أخيراً وتغير يصيب الأساسيات عبر تقنيتين ثوريتين هما: المحركات الكهربائية مع البطاريات، وأنظمة القيادة الذاتية.
لننسى الأخيرة حالياً كونها لم تصل بعد إلى مرحلة النضوج التام، وذلك على النقيض من السيارات الكهربائية التي باتت تتمتع بنفس الاعتمادية والموثوقية والعملانية التي توفرها نظيرتها التقليدية، وأصبح الكثير من العملاء وخاصة في الدول المتقدمة يفكرون بالانتقال إلى السيارات الكهربائية بشكل جدي، قد لا يكون الآن ولكن حتماً في السنوات القليلة القادمة، خاصة وأن الحكومات هنالك بدأت بوضع خطط جدية بعد 10 أو 15 عاماً لمنع بيع عدا السيارات الكهربائية الجديدة في أراضيها.
وعند ذكر السيارات الكهربائية فمحال ألا نضع تسلا بين الأسماء الرائدة، فهذه الشركة حديثة العهد استطاعت أن تغير وجه الصناعة وتخلط أوراق اللعب من جديد، وباتت بمثابة الوجه المشرق للسيارات الأمريكية والعهد الجديد الذي سينقل عاصمة صناعة السيارات الأمريكية من ميشيغان إلى كاليفورنيا… مع ذلك، لا يبدو بأن الطريق سيكون مفروشاً بالورود أمام تسلا!

الأمور ليست على ما يرام في أوروبا!
بدايةً، لم تعد تسلا اللاعب الرئيسي في سوق السيارات الكهربائية إلى جانب أسماء مثل نيسان وطرازها الشهير ليف، فمعظم الأسماء التقليدية قد طرقت أبواب السيارات الصامتة مؤخراً ومن أوسع أبوابها ومع طرازات واعدة، سواء على صعيد التصميم والشخصية أو التقنيات وأرقام الأداء. وبالطبع هذه الأسماء لها قصبة السبق على تسلا، كونها ضاربة القدم في معظم الأسواق العالمية، علاماتها محفورة في ذاكرة جميع العملاء، وصالاتها ومراكز صيانتها منتشرة في كل مكان، فأين أتيت يا تسلا وسط هذا الزحام!
لغة الأرقام نفسها تؤكد هذه المسألة، ففي سوق مثل النرويج حيث تعتبر من أهم أسواق السيارات الكهربائية في أوروبا إلى جانب هولندا، تراجعت مبيعات تسلا بشكل مرعب خلال عام واحد فقط، ففي سبتمبر 2019، نجحت الأمريكية في بيع 5,768 نسخة من طراز موديل 3 في السوق الهولندية لتصبح حينها الطراز الأكثر مبيعاً في ذلك الشهر، وبيع أيضاً بالآلاف في هذا الطراز في النرويج، ولكن ماذا عن أكتوبر 2020؟ 35 نسخة فقط من موديل 3 في هولندا و74 نسخة فقط في النرويج! مهلاً، من الذي سرق المبيعات وسحب البساط من تحت إطارات تسلا؟ إنها العملاقة فولكس واجن التي نجحت في بيع 2,789 نسخة من باكورتها في عالم السيارات الكهربائية أي ID.3 في هولندا مقابل 2,475 وحدة في النرويج وذلك خلال أكتوبر 2020.

لا يبدو بأن الأمور تسير نحو الأفضل لتسلا! فخلال النصف الأول من شهر نوفمبر الجاري، بيع نسختين فقط من موديل 3 في هولندا مقابل 5 في النرويج! بينما نجح ID.3 في اقناع 717 و560 عميلاً على التوالي. الأرقام لم تكن كذلك قبل وصول المنافسات من الأسماء التقليدية، فمنذ بداية العام استطاعت الأمريكية بيع 3,271 وحدة من موديل 3 في النرويج لغاية اليوم، بينما بيع 2,140 وحدة من رينو زوي، و2,755 وحدة من مرسيدس-بنز EQC و2,257 نسخة من بي ام دبليو i3، أما فولكس واجن فباعت 4,465 نسخة من ID.3 التي لم تصل إلى الأسواق سوى في الأشهر القليلة الماضية، فيما سرقت أودي إي ترون التاج مع 8,203 نسخة… للمقارنة، باعت تسلا 13,980 نسخة من موديل 3 في 2019 على أراضي النرويج، وسنتركم لكم تصور الانهيار في مبيعاتها فوق أهم الأسواق الكهربائية في القارة الأوروبية!
للإنصاف، هنالك اعتبارات لوجستية يجب الأخذ بها لتدهور مبيعات تسلا، ولكن مع ذلك، فإن على الأمريكية ابتكار شيء ما لوقف زحف الأسماء التقليدية نحو الفئة الكهربائية، وإلا ستجد نفسها تحت إطارات عمالقة هذه الصناعة المدججين بخبرات تعود لعقود وعقود!