مقالات-قصي حازم
يقولون بأن صناعة السيارات في أزمةٍ بسبب أشباه الموصلات… يبدؤون كالعادة بتوقع الخسائر ويسردون مواعيد تعليق شركات السيارات للإنتاج، ولكن لا يُهمنا ذلك بقدر التعرف على سبب وجود الأزمة في أشباه الموصلات أصلًا، ثم التعرف على أهمية أشباه الموصلات في صناعة السيارات وإن كان من المُمكن استبدالها ببساطة بمكوّن آخر مثلاً.
إن كانت ثقافتك إنجليزية الطابع فنحن نتحدّث عمّا يُسمى Semiconductors؛ مادة شبه موصلة للكهرباء، أي لديها خاصية لنقل الكهرباء ولكن بشكل محدود، بل يمكن التحكم بموصليتها الكهربائية بشكل متغيّر سواء باستخدام الحرارة أو الضوء أو المجال الكهربائي، وأهم المواد المُستخدمة كأشباه موصلات حاليًا هي السيليكون، تُستخدم أشباه الموصلات في الإلكترونيات بشكل واسع جدًا، حيث تُتيح التحكم بتدفق المجال الكهربائي فتُشكّل بذلك جُزءًا بالغ الأهمية من الترانزيستور والذي يُشكل بدوره إحدى المكوّنات الأساسية للدارات الكهربائية الصغيرة وحتى الكمبيوترات.
بهذا، فأشباه الموصلات مُهمة جدًا في صناعة السيارات التي تتزايد بها الالكترونيات بشكل غير مسبوق، وكذلك مُهمة جدًا في عديد من الصناعات الأخرى، أي أن القلق من الأزمة لا يرتبط فقط بصناعة السيارات.

سبب أزمة أشباه الموصلات
يمكن حصر أزمة أشباه الموصلات بثلاثة أسباب رئيسية، وكالتالي:
- تداعيات جائحة الفيروس التاجي المُستجد – كوفيد 19 – والتي أثرت على الغالبية العظمى من الأعمال في العالم، تذكّروا أن إغلاق مصنع لأسابيع، لا تعني تأخر المُنتج لأسابيع فقط، بل لأشهر، حيث تنتظر سلاسل التوريد إعادة تشغيل المصانع واحد تلو الآخر للخروج بالمنتج النهائي.
- مع امتثال العالم للحظر وبقاء الناس في المنازل، تزايد الطلب بشكل هائل على الالكترونيات الترفيهية -لتمضية الوقت في المنزل- وأجهزة الكمبيوتر -لإتمام العمل أو الدراسة- وبالتالي زاد الطلب على أشباه الموصلات، التي وإن عادت الشركات لتصنيعها فقد وجدت نفسها أمام كمٍ هائلٍ من الطلبات
- عنوان الموضوع، تايوان وإعصارها؛
تتعرض تايوان سنويًا لأعاصير مُوسمية تُسمى التَّيفُون Typhoon -وفقًا لقاموس المورد فالكلمة مُستمدّة من كلمة الطّوفان بالعربية. تأتي هذه الأعاصير بأمطار غزيرة ذات نتائج مُدمِّرة في الغالب، وفي حين تمتّع سكان تايوان هذا العام بموسمٍ خالٍ من الأعاصير، تدنّى مخزون المياه الجوفية، والمياه عُنصر أساسي في حلقة تصنيع أشباه الموصلات، أما تايوان فهي من أكبر مُصنّعي هذه الرقائق في العالم! رابط عجيب ولكنه واقعي!
إضافة إلى ما سبق، تدنّى هطول الأمطار في تايوان خلال الربع الأول من عام 2021 إلى النصف تقريبًا، وذكرت صحيفة South China Morning Post أن النقص في الرقائق قد يستمر حتى عام 2022.

تأثير أزمة أشباه الموصلات على صناعة السيارات
بهذا تكون اتضحت الصورة، فأشباه الموصلات من الأجزاء المُهمّة في السيارات، وسواء كان سعر هذه الرقاقة سنت أو مئات الدولارات فنقصانها يُعطّل الإنتاج، وقدرت شركة الاستشارات AlixPartners، أن حجم إنتاج السيارات هذا العام سيكون أقل بنحو 1.5-5 ملايين سيارة عن التوقعات السابقة بسبب أزمة أشباه الموصلات، فعلى سبيل المثال انخفض إنتاج فولكس واجن وحدها قرابة 100 ألف سيارة حتى الآن في العام الحالي 2021، ومن المتوقع أن يزداد الوضع سوءًا في الربع الثاني.
نعود للحديث عن سلاسل التوريد، فشركات السيارات تستعين بعديد من موردي القطع مثل كونتيننتال وبوش وZF وغيرها، وإن تأخر هؤلاء في تصنيع وحدة ما كمجسٍ أو شاشة أو غيرها فلن يكتمل المُنتج النهائي. ونعرف أن فورد أوقفت هذا الشهر مصنع التجميع في كنتاكي فتوقفت خطوط إنتاج طرازات إسكايب ولينكون كورسير، كما أجلت فيات-كرايسلر استئناف العمل في مصنعها في المكسيك حيث تُجمّع جيب كومباس، ومصنعها في أونتاريو حيث تُصنع كرايسلر 300 ودودج تشالنجر وتشارجر.
والأمر لا يتوقف عند حدود الأمريكيتين، فتويوتا وسوبارو ومرسيدس-بنز ونيسان وغيرها تتعرّض أيضًا لصعوبات في إنجاز العمل نتيجة أزمة أشباه الموصلات
هل يمكن الاستغناء عن أشباه الموصلات؟
نعم ولا، فبعض المكونات أساسية ولا يُمكن الاستغناء عنها، مثل وحدة التحكم المركزية في السيارة وأنظمة السلامة والأمان، ولكن نذكر في ذات الوقت إعلان بيجو قرارها بتقديم طراز 308 الجديد في الأسواق بعدادات تقليدية بدلًا من الشاشة التي رأيناها عند الكشف عن السيارة، حيث ستُقلل بيجو بهذا حاجتها لأشباه الموصلات في الشاشة الغنية تقنيًا ولكن تستمر في الإنتاج.
نتمنى أن الصورة اتضحت!

الله يحميكم ويزيدكم من رزقه و ينزل رحمته عليكم ويبعد عنكم كل مرض
ولكم أيضًا أطيب الأمنيات بالسلامة 🙂