كرَّر اللبناني كارلوس غصن، الرئيس السابق لتحالف رينو-نيسان-ميتسوبيشي أكثر من مرة أن الادعاءات الموجهة ضده من مخالفات مالية هي نتيجة “مؤامرة وخيانة” من قبل التنفيذيين في نيسان، الذين عارضوا خطته لدمج شركة رينو الفرنسية للسيارات مع شركتي نيسان وميتسوبيشي اليابانيتين، وكانوا يحاولون التخلص من الهيمنة الفرنسية على نيسان. ومع غياب غصن الآن، يتحقق ما طمحت له نيسان تمامًا.
امتلكت رينو 1.83 مليار سهم في نيسان، تبلغ قيمتها 7.6 مليار دولار أمريكي، وتُشكِّل 43.4% من قيمة الشركة اليابانية. أما مؤخرًا فأعلنت نيسان ورينو أنهما ستعيدان التوازن في شراكتهما لتصبح أكثر إنصافًا -حسب البيان الصحفي- فاتفقتا على حصة ملكية بنسبة 15% بينهما، مع الاحتفاظ بالرصيد المتبقي لما تملكه رينو في نيسان في صندوق استئماني ليتم بيعها لاحقًا.

إنه تغير جذري في التحالف الذي كاد قبل سنوات أن ينافس تويوتا في عدد السيارات المُصنّعة ويُعاني حاليًا من انخفاض مبيعات وخسائر. لكن النبؤات تُشير إلى أن الخطوة الجديدة -بعكس تكهنات غصن- قد تكون مثمرة للتحالف. نوضح تاليًا…
شُكِّل التحالف بين رينو ونيسان في أواخر التسعينيات عندما كانت نيسان على حفة الهاوية، فاشترت رينو حصة 38.6% من اليابانية لإنقاذها. وبعد عامين فقط، ردت نيسان الجميل بحصة 15% في رينو لتشكيل التحالف. صحيح أن نيسان كانت في حالة يُرثى لها، إلا أن الأسواق التي بيعت فيها كانت أوسع من تلك التي تنعم بها رينو، ومن الأسواق المُهمة التي كان لنيسان حصة فيها سوق الولايات المتحدة.
مع تباين الحصص في رينو ونيسان، تذمَّرت اليابانية من سيطرة رينو على الإدراة، خصوصًا أن الحكومة الفرنسية هي المُساهم الأكبر في رينو، أي أن نيسان كانت فعليًا تحت سيطرة الحكومة الفرنسية. وبما أن اليابان تحمي شركاتها وعمالها وهويتها فقد كان هناك عقبة يكاد يستحيل التغلب عليها… سوى بالتخلص من السيطرة الفرنسية.
بعد التخلص من اللبناني الفرنسي كارلوس غصن، أصبح توزان القوى بين الشركتين ممكنًا، فنيسان سعيدة بالنتيجة، وبالنسبة لـ رينو فقد يكون التوزيع الجديد أنسب لأي تحالفات مُستقبلية، خصوصًا أن رينو تحتاج حليفًا قويًا يُساعدها في تطوير السيارات الكهربائية.

أتنهار الإمبراطورية أم يتم تحديثها؟
بالمُناسبة، أعلنت شركة داتسون اليابانية –التابعة لنيسان في 22 أبريل الماضي إيقاف أعمالها بالكامل، وذلك بعد أن أوقف تصنيع السيارات في منشأتيها في روسيا واندونيسيا عام 2020. من جهة أخرى، سرّع الاجتياح الروسي لأوكرانيا سقوط لادا من قبضة رينو، فقد كانت العديد من الشركات مُجبرة على إيقاف عملياتها في روسيا. لذا، باعت رينو في مايو الماضي حصتها في شركة أوتوفاز AvtoVAZ الروسية المُصنِّعة لسيارات لادا بمبلغ رمزي قدره 1 روبل واحد، أي ما يُعادل 1.4 سنت أمريكي فقط. هذا بالرغم من أن حصة رينو في أوتوفاز وصلت إلى 68%.

أدناه تفاصيل خارطة الطريق لـ 24 سنة المُقبلة، والتي تتضمّن ثلاث ركائز:
- مشاريع تشغيلية عالية القيمة في أمريكا اللاتينية والهند وأوروبا
- تعزيز المرونة الإستراتيجية من خلال مبادرات جديدة يمكن للشركاء الانضمام إليها
- إعادة موازنة المساهمة المشتركة بين مجموعة رينو ونيسان وتعزيز حوكمة التحالف
مشاريع تشغيلية عالية القيمة
بعد عام على وضع خارطة طريق التحالف لعام 2030، أعلنت الشركات عن إعدادها مشاريع مهمة جديدة في أمريكا اللاتينية والهند وأوروبا تهدف إلى تحقيق فوائد واسعة النطاق وقابلة للتنفيذ ومربحة لكافة أعضاء التحالف، وتقوم على ركائز ثلاث هي: الأسواق، والمركبات، والتكنولوجيات. وستستفيد كل شركة من هذه المشاريع التي تضفي القيمة على المدى المتوسط وتحقّق فوائد قصيرة المدى من خلال تقاسم التكاليف وتفاديها.
أمريكا اللاتينية
تشمل المشاريع الأربعة التي سيتمّ النظر فيها في أمريكا اللاتينية:
- مركبة “بيك أب” جديدة بوزن نصف طن طوّرتها مجموعة رينو بمشاركة نيسان في الأرجنتين.
- سيستمرّ التعاون الناجح في تطوير عائلة نيسان فرونتير / رينو ألاسكان، شاحنة “البيك أب” التي تزن طنًا، وستقوم مجموعة رينو بإنتاجها في قرطبة (الأرجنتين) لكلّ من رينو ونيسان.
- ستنتج نيسان في المكسيك طرازًا جديدًا لمجموعة رينو، ممّا يجعلها أول سيارة رينو تنتَج في الدولة منذ 20 عامًا.
- ستسوّق نيسان ومجموعة رينو مركبتين كهربائيتين مشتركتين من الفئة A وترتكزان على منصّة CMF-AEV
الهند
- ستتعاون مجموعة رينو ونيسان في عدد من مشاريع السيارات الجديدة بما في ذلك سيارات رياضية جديدة متعددة الاستخدامات تتشاركها كل من مجموعة رينو ونيسان، وسيارة نيسان جديدة مستوحاة من طراز رينو ترايبر.
- وعلى غرار أمريكا اللاتينية، تنظر نيسان ومجموعة رينو في إنتاج سيارات كهربائية مشتركة من الفئة A.
أوروبا
تدرس الشركات المبادرات التالية في أوروبا:
- ستستخدم مجموعة رينو وميتسوبيشي موتورز أصول رينو كابتور وكليو لتطوير سيارتين جديدتين من خلال الجيل التالي من ASX و”كولت” اللتين ترتكزان على منصة CMF-B.
- ستطلق مجموعة رينو “فلكس إي فان” (FlexEVan) في سوق المركبات التجارية الخفيفة، كأول مركبة لها معرّفة بالبرمجيات، اعتبارًا من عام 2026 وستتشاركها مع نيسان في أوروبا.
- بالنسبة إلى مجموعة الطرازات التي سيتم طرحها بعد عام 2026، ستدرس نيسان ومجموعة رينو سبل التعاون الممكنة في ما يتعلّق بالجيل التالي من المركبات الكهربائية من الفئة C. ولضمان توفير وقت شحن قياسيّ، ستواصل نيسان ومجموعة رينو مشاركة التكنولوجيات في سياراتهما الأوروبية، بما في ذلك الاستخدام المحتمل لنظام الشحن المشترك بقوّة 800 فلط.
- سترتكز هذه المبادرات على الالتزامات الحالية التي تشمل الخطط المستقبلية لمركبة نيسان الكهربائية المدمجة (الفئة B) المرتكزة على منصة CMF-BEVK والتي سيتم إنتاجها في مصنع “إلكتري سيتي” (ElectriCity) التابع لمجموعة رينو في فرنسا اعتبارًا من عام 2026.

التعاون في مجال التوزيع وخدمات ما بعد البيع والبنية التحتية لشحن السيارات الكهربائية والبطاريات
لن يقتصر التعاون في أوروبا على المركبات، بل سيشمل أيضًا التوزيع، والاستخدام، وإعادة التدوير ونهاية الصلاحية.
- التوزيع وخدمات ما بعد البيع وتمويل المبيعات: تعمل مجموعة رينو، ونيسان وميتسوبيشي موتورز على فرص مشتركة ضمن شبكة التوزيع لدعم ربحية الوكلاء وزيادتها والحدّ من تكاليفهم:
- من خلال زيادة عدد المراكز المشتركة في الأسواق الرئيسية
- وتطوير إستراتيجيات مشتركة للسيارات المستعملة، وخدمات ما بعد البيع وتمويل المبيعات، والاستفادة من الحضور الراسخ لشركة “موبيلايز للخدمات الماليّة” (Mobilize Financial Services) في أوروبا.
- البنية التحتية لشحن المركبات الكهربائية: تدرس مجموعة رينو ونيسان النشر المشترك لبنية تحتية خاص’ بشحن المركبات الكهربائية في أوروبا لدى وكلاء مجموعة رينو ونيسان (الشحن لدى الوكيل).
- الاقتصاد الدائريّ: تعتزم مجموعة رينو ونيسان اختيار شركاء مشتركين لإعادة تدوير البطاريات منتهية الصلاحية وخردة عمليات الإنتاج.
تعزيز المرونة الإستراتيجية من خلال مبادرات جديدة يمكن للشركاء الانضمام إليها
بالنسبة إلى مجال التعاون المعزّز الثاني، وافقت شركات التحالف الثلاث على استكشاف إستراتيجياتها الحالية فيما يتعلّق بالكهرباء وتقنيات تخفيض الانبعاثات من خلال الاستثمار والتعاون في مشاريع الشركات الأعضاء التي يمكن أن توفر قيمة مضافة إلى كلّ شركة.
وتمّ تصميم هذه المبادرات الإستراتيجية المرنة استكمالًا لخطط عمل الشركات الأعضاء، بما في ذلك خطة طموحات نيسان 2030 و رينولوشن Renaulution، حيث تستفيد كل شركة من القواسم المشتركة وفرص الاستثمار لتحقيق أهداف كلّ منها المتعلّقة بالنموّ المستدام وإزالة الكربون.
وتشمل مجالات التعاون قيد الدراسة ما يلي:
- تعتزم نيسان استثمار ما يصل إلى 15% في “أمبير”، شركة السيارات الكهربائية والبرمجيات التابعة لمجموعة رينو في أوروبا، لتصبح مستثمرًا إستراتيجيًا. ومن خلال هذا الاستثمار في “أمبير”، ستعمل نيسان على تعزيز فرص الأعمال الجديدة للشركة في أوروبا وتسريعها.
- إمكانية استثمار ميتسوبيشي موتورز في “أمبير.”
- ستصبح نيسان وميتسوبيشي موتورز عملاء لمشروع مجموعة رينو المسمّى هورس Horse، وهو مبادرة هدفها توسيع نطاق تكنولوجيات محرّكاتها منخفضة الانبعاثات وأنظمة نقل الحركة الهجينة وتغطيتها للأسواق.
تكمّل هذه المبادرات مجالات التعاون التكنولوجي المستمرة مثل البطاريات الصلبة، والمركبات المعرّفة بالبرمجيات، وأنظمة مساعدة السائق المتقدمة، والقيادة الذاتية.

إعادة موازنة المساهمة المشتركة بين مجموعة “رينو” ونيسان وتعزيز حوكمة التحالف
مع تنفيذ كل شركة من أعضاء التحالف خطط أعمالها، كان من المهمّ وضع بنية مساهمة مشتركة، وتحديد شروط حوكمة تتماشى مع أهداف تحالف الجيل التالي. ورغم أنّ اتفاقيات التحالف السابقة مكّنت الشركات من تنفيذ إستراتيجياتها الخاصة خلال السنوات الـ24 الماضية، تبرز حاجة إلى نهج جديد يتيح لأعضاء التحالف الاستعداد على أكمل وجه للفرص المستقبلية التي يقدّمها القطاع.
واتفقت مجموعة رينو ونيسان، العضوان المؤسّسان للتحالف، على إعادة موازنة شروط الملكية المشتركة للأسهم والحوكمة لضمان الفعالية وتوفير أعلى قيمة.
وتحدد اتفاقية إطار العمل الملزمة مبادئ خطة الحوكمة الجديدة وإعادة موازنة ملكية الأسهم المشتركة بين مجموعة رينو ونيسان. وتعتزم الشركتان عقد اتفاقية تحالف جديدة [بحلول 31 مارس 2023] واستبدال الاتفاقيات الحالية التي تحكم التحالف (أي الاتفاقية الرئيسية المعدّلة للتحالف، واتفاقية المشاركة في حصص التحالف، ومذكّرة التفاهم التي تحمل تاريخ 12 مارس 2019).
وسيتمّ تطبيق اتفاقية التحالف الجديدة هذه لفترة أولية مدتها 15 عامًا.
إعادة موازنة المساهمة المشتركة بين مجموعة “رينو” ونيسان لتمكين التعاون المستقبليّ
- ستحتفظ نيسان ومجموعة رينو بالأسهم المشتركة بنسبة 15%، مع التزام بالامتناع عن بيع الأسهم والاستحواذ على المزيد منها.
- ستحوّل مجموعة رينو 28.4% من أسهم نيسان إلى صندوق اتئماني فرنسي، وسيتمّ التصويت على الأسهم الموكلة بحيادية، باستثناء:
- انتخاب عضوَي مجلس إدارة شركة نيسان المرشّحين من رينو أو إقالتهما (حيث يصوّت المفوّض بحسب توجيهات شركة رينو)؛
- انتخاب أو إقالة عضوَي مجلس الإدارة المرشّحين من لجنة ترشيح نيسان، بخلاف مرشّحي مجموعة رينو (حيث يجب أن يصوت المفوّض وفقًا لقرارات لجنة ترشيح نيسان ومقترحاتها).
- مقترحات المساهمين غير المدعومة من مجلس إدارة نيسان (حيث يتعيّن على المفوّض الامتناع عن التصويت).
- ستستمر مجموعة رينو في الاستفادة بشكل كامل من الحقوق الاقتصادية (توزيع الأرباح وعائدات بيع الأسهم) ومن الأسهم الموكلة حتى يتم بيع هذه الأسهم. ولن يؤدي تحويل الأسهم إلى الصندوق إلى أيّ تراجع في البيانات المالية لمجموعة رينو.
- نتيجة لنقل 28.4% من أسهم نيسان إلى الصندوق، ستتمكّن الشركة من ممارسة حقوق التصويت المتعلّقة بحصتها في مجموعة رينو.
- سيتم تحديد حقوق التصويت لمجموعة رينو ونيسان بنسبة 15% كحدّ أقصى من حقوق التصويت القابلة للممارسة، بحيث يمكن للشركتين ممارسة حقوق التصويت بحرية ضمن هذا الحدّ.
- تُبلغ مجموعة رينو المفوّض ببيع أسهم نيسان الموكلة لمجموعة رينو إذا كان ذلك ممكنًا تجاريًا، ولكنها ليست ملزمة ببيع الأسهم خلال فترة زمنية محددة مسبقًا.
- ستتمتع مجموعة رينو بالمرونة الكاملة لبيع أسهم نيسان المودعة في الصندوق في إطار عملية منسّقة ومنظّمة مع نيسان، حيث تستفيد نيسان من حق العرض الأول لصالحها أو لصالح طرف ثالث معيّن.
حقوق التصويت والحوكمة
- نتيجةً للتطوّرات الجديدة، سيتم إنهاء اتفاقية الحوكمة المبرمة في 4 فبراير 2016 بين مجموعة رينو والدولة الفرنسية المتعلّقة بحصتها في المجموعةٍ، بحيث تتاح للدولة الفرنسية ممارسة كافة حقوق التصويت بحرية في مجموعة رينو.
- يحقّ لمجموعة رينو ترشيح ممثلَين في مجلس إدارة نيسان، وسيبقى لنيسان الحقّ في ترشيح ممثلَين في مجلس إدارة مجموعة رينو.
- سيبقى مجلس تشغيل التحالف الهيئة التنسيقية لمجموعة رينو، ونيسان وميتسوبيشي موتورز.
إنه تغير جذري في الإمبراطورية التي شكَّلها كارلوس غصن، ولا ندري إن كان التغير للأفضل أو الأسوء!