ليس سرًّا أن العام ينزلق نحو مرحلة ركودٍ اقتصاديٍّ، جاءت الطامة بتفشِّي جائحة الفيروس التاجي المُستجِّد “كوفيد 19 COVID”، الذي سرَّع من الركود بل ويُهدِّد العالم بالدخول بمرحلة كسادٍ اقتصادي غير مسبوقة. صناعة السيارات ليست بعيدة عن ذلك، فقد زادت التكهُّنات في الآونة الأخيرة حول مصير الاندماج ما بين مجموعتي “بيجو – سيتروين للسيارات PSA” و “فيات – كرايسلر للسيارات FCA”، حيث أبرمتا في كانون الأول (ديسمبر) الماضي مُذكرة تفاهم MoU للاندماج مُناصفةً على أن تُستكمل العملية في غُضون عامٍ إلى عامٍ ونصف من تاريخه لتشكيل رابع أكبر مجموعة لصناعة السيارات في العالم مع 13 علامة تحت مظلتها. ومن بُنود هذا الاتفاق دفع المجموعة الفرنسية توزيعات خاصة على الأسهم لمُساهمي “فيات – كرايسلر” بقيمة 5.5 بلايين يورو (6.1 بلايين دولار أمريكي)، وفصل مِلكية شركة “فوريسيا Faurecia” لإنتاج المُكونات من المجموعة الفرنسية.

قالت مصادر مُطلِّعة لوكالة الصحافة الفرنسية AFP بأن لتفشِّي المرض تداعياتٌ على البُنود المالية لصفقة الاندماج، فيما قالت صحيفة “لو إيكوس Les Echos” الاقتصادية اليومية الفرنسية بأن الصفقة قد تخضع للمُراجعة. بيد أنَّ مجموعة “بيجو – سيتروين” أكدَّت التزامها بالاندماج مع “فيات – كرايسلر” رغم الوضع القاتم الذي تشهد صناعة السيارات حاليًا، إذ تراجعت مُؤشرات الأسواق المالية وخسرت مُعظم الشركات – ومنها هاتان الشركتان – نسبةً كبيرةً من قيمتهما السوقية، ولا تقتصر المُعاناة على ذلك، بل امتدت لتشمل توقفًا في المصانع والإنتاج وسلاسل الترويد وإغلاق وكالات بيعٍ وصيانة وغيرها. جديرٌ بالذكر أن القيمة السوقية للمجموعتين بلغت 42 بليون يورو (45.8 بليون دولار) في كانون الأول (ديسمبر) الماضي.
أشارت بيجو إلى أن الطرفان يعملان بجدٍّ لاستكمال الاتفاق؛ لدى كل طرفٍ فريقًا مُستقلًا من الخُبراء والمُختصين يعمل على إنجاز التفاصيل التشغيلية ورفع الوثائق اللازمة لهيئات مُكافحة الاحتكار المُختصة، ويعمل كل فريقٍ بحدٍّ أدنى من التواصل مع الآخر.

هذا لا يعني بأن الوضع وردي، إذ تُثر الظروف الاستثنائية الحالية ضغوطاتٍ على الشركتين تتعلق بتوفير المال، وقد تضطر الشركتان للحُصول على قُروض ومُساعدات مالية من المصارف والحُكومات من أجل الخُروج بأقل الأضرار، حيث تعمل الشركات على حماية عامليها ووظائفهم.
رفضت “فيات – كرايسلر” التعليق، في حين قالت “بيجو – سيتروين” في بيانٍ صحفي أنه في سياق تفشِّي الوباء فإن “من غير المُلائم توقُّع تعديل بُنود الصفقة، نُولي تركيزنا على حماية موظفينا والشركة”، وأضافت: “نتخذ القرارات الضرورية لضمان استمرارية المجموعة. أصبح الاندماج منطقيًا أكثر من أي وقتٍ مضى، فريقانا مُستمران بالعمل مع ذات الالتزام”.
وبالفعل، سيُحتِّم الوضع الاقتصادي الصعب والتغيُّر الكبير المُتوقَّع لـ “عالم ما بعد كورونا” على شركات السيارات مزيدًا من التعاون بمُختلف أشكاله للتعافي والوقوف على أقدامهم من خلال تقاسم التكاليف الباهظة لتطوير التقنيات الجديدة والاستفادة من حجم الإنتاج الكبير.
أخيرًا، وإذا ساءت الأمور لدرجةٍ استحال فيها إنجاز اتفاقية الاندماج فسيتعيَّن على الطرف الذي يُخفق في الالتزام به دفع 500 مليون يورو (545 مليون دولار) على شكل رسومٍ للطرف الآخر، ودفع 250 مليون يورو (272 مليون دولار) في حال إخفاق مجلس الإدارة بعقد اجتماع مُساهمين للتصويت قبل 31 آذار (مارس) 2021. لكن في ظل هذه الظروف قد يلجأ الطرفان إلى تفعيل بند القوة القاهرة Force Majeure في الاتفاق سعيًا للحفاظ عليه.