يبدو بأن “مجموعة بي أس أيه” الفرنسية لصناعة السيارات مُنفتحة على خيارات التحالف مع مجموع سيارات أخرى أو الاستحواذ عليها.
قال السيِّد روبير بيجو Robert Peugeot، في مُقابلةٍ مع صحيفة “لا إيكو Les Echos” الفرنسية اليومية، بأن عائلة بيجو تدعم خطط “مجموعة بي أس أيه Groupe PSA” الفرنسية لإنتاج السيارات، التي تُشكل علامة بيجو عمودها الفقري، من أجل توسعة أعمالها، حيث أشارت تقارير إلى أن الشركة تضع نُصب عينها “فيات كرايسلر للسيارات FCA” أو “جاكوار لاند روفر JLR”، كهدفٍ مُحتمل، إما للتحالف أو الاستحواذ.
جديرٌ بالذكر أن المجموعة الفرنسية تحتل المركز الثاني في قائمة أكبر صانعي السيارات الأوروبيين، بعد “مجموعة فولكس واجن للسيارات VAG” الألمانية.
ويرأس “المسيو روبير” شركة “أف أف بي FFP” القابضة العائلية، التي تُمثِّل مصالح عائلة بيجو في المجموعة، وتستحوذ على نسبة 13.68 بالمئة من أسهم المجموعة، حيث تُعتبر أكبر مُساهم في الشركة. إلى جانب الحُكومة الفرنسية، بواسطة مصرف “بي بي آي فرنسا BPI France” وشركة “دونغفِنغ Dongfeng” للسيارات الصينية، حيث يمتلك المصرف الفرنسي والشركة الصينية ما نسبته 12.23 بالمئة لكل طرف.
كانت العائلة تمتلك رُبع أسهم المجموعة، لكنها اضطرت للتنازل عن نسبةٍ منها، خلال مُفاوضات إنقاذ المجموعة بين عامي 2012 و 2014، عندما اشترت شركة “دونغفينغ” أسهمًا في المجموعة.
وقال روبير للصحيفة: “لقد دعمنا مشروع [الاستحواذ على] أوبل مُنذ البداية. وإذا سنحت الفُرصة لعملية أخرى فإننا لن نتردد، ويعرف كارلوس [تافاريس] ذلك، تُعتبر صفقة أوبل نجاحًا استثنائيًا، ولم نتوقع أن بأنها إعادتها لسكة الأرباح ستكون سريعةً هكذا”.
ويشغل كارلوس تافاريس Carlos Tavares منصب المُدير التنفيذي للمجموعة. كما سُئل روبير بيجو عن إمكانية إبرام صفقة مع “فيات كرايسلر” مثلًا، فقال مُستعملًا تعبيرًا مجازيًا: “يُمكن للكواكب أن ترتصف على خطٍّ واحد. [سنتفاوض] معهم، أو مع غيرهم”.
كانت “فيات -كرايسلر” قد أرسلت سابقًا إشارات إلى انفتاحها على أية خطط للتعاون والتحالف مع مجموعات سيارات أخرى، وقال السيد مايك مانلي Mike Manley، المُدير التنفيذي للمجموعة الإيطالية – الأمريكية بأنهم سيُفكرون في “أي صفقة قد تُقوِّي فيات”، وذلك خلال معرض جنيف الدولي للسيارات.
وتُعتبر “فيات كرايسلر” خيارًا جذابًا بالنظر إلى مروحة العلامات التي تمتلكها، خُصوصًا علامة “جيب Jeep” الأسطورية، وحضورها الكبير في الأسواق الأمريكية، حيث تسعى بيجو لعودة إلى هناك في العام 2026، ومثل هذا التعاون قد يُساعد في تقوية حُضور بيجو في أمريكا. فضلًا عن ذلك، تتعاون كلا المجموعتَيْن في مجال تطوير وإنتاج بعض طرازات المركبات التجارية، لذا يُمكن القول بأن هنالك بعض العمل المُشترك بينهما يُمكن البناء عليه.
لدى بيجو عدة أهداف من مشروع التوسُّع هذا؛ توسعة حُضورها، وزيادة ربحتيها من خلال تقاسم تكاليف التطوير، والتعاون من أجل تقليص الانبعاثات الغازية، والحُصول على الخبرات فيما يتعلق بالتوجهات الجديدة في صناعة السيارات مثل “الكهربة” والأبحاث حول القيادة الذاتية والآلية، والأهم من ذلك تعزيز تنافسيتها في مُواجهة المجموعات العملاقة، “فولكس واجن VAG” و “تحالف رينو نيسان ميتشوبيشي Renault Nissan Mitsubishi Alliance” و تويوتا Toyota.
تاريخ بيجو في التوسع
ليس لبيجو تاريخٌ كبير في الاستحواذات، فطوال 210 أعوام تقريبًا، هي عُمر الشركة، كانت أهم عملياتها هو شراء مُواطنتها “سيتروين Citroën” في كانون الأول (ديسمبر) 1974، حيث أسست على إثرها “مجموعة أس أيه”. ومن ثم شراء الذراع الأوروبي لشركة “كرايسلر” في 1978، التي كانت تتضمن علامات “روتس Rootes” و “سيمكا Simca” و “تالبوت Talbot”، واستفادت من هذه الصفقة في الحُصول على مصانع في بريطانيا.
أما أهم وأكبر صفقة للمجموعة فقد كانت الاستحواذ على شركتي “أوبل Opel” الألمانية و”فاوكسهول Vauxhall” البريطانية لإنتاج السيارات من جنرال موتورز GM في العام 2017. كما اشترت علامة “أمباسّادور Ambassador” الهندية في ذات العام. لذا تبدو خطة توسعة أعمال المجموعة من خلال التحالف أو الاستحواذ مع مجموعة سيارات كُبرى جريئةً للغاية، وخطوةً غير مسبوقةٍ منها.
ولم تكن جميع عمليات الاستحواذ ناجحة خلال فترة التوسع الأخيرة، فقد خسرت السباق للاستحواذ على مجموعة “بروتون القابضة PROTON Holdings” الماليزية، أمام مجموعة “جيلي القابضة Geely Holdings”.
كما فشل برنامجها للتعاون مع جنرال موتورز في 2012، حيث اشترت الشركة الأمريكية في آذار (مارس) 2012 حصة سبعة بالمئة من الشركة الفرنسية، بقيمة 320 مليون يورو، كجُزءٍ من صفقةٍ للتعاون بينهما لتطوير المركبات، ولكن لم ينجح هذا المُخطط، وباعت جنرال موتورز حصتها في كانون الأول (ديسمبر) 2013، بخسارة 70 مليون يورو.
بيجو عينها على أكثر من فريسة
لا ينحصر اهتمام بيجو بـ “فيات كرايسلر”، فقد قالت مصادر مُقربة من تافاريس لموقعي “أوتوموتيف نيوز Automotive News” و “بلومبيرغ Bloomberg”، بأنه يعتقد بأن “جنرال موتورز” خيارٌ مثالي لأي تعاون أو اندماج مُحتمل، وكذا الأمر مع “جاكوار لاند روفر”.
كما أشارت تقارير إلى أن تافاريس قد التقى بالعديد من الاستشاريين لمُناقشة خيارات التعاون أو الاندماج المُستقبلية، إلا أنه لم يرشح أية تفاصيل عن هذه الاجتماعات، كما لم توضع أية أهداف مُحددة، لذا من المُبكِّر للغاية معرفة ما سيؤول إليه الأمر.
رأينا
لكن، الشيطان يكمن في التفاصيل (كما يقول التعبير الإنجليزي)، وهنالك العديد من التحدّيات التي قد تظهر لاحقًا، الأولى تتعلق بعائلة بيجو، على الرغم من أنها مُنفتحة على خيار التوسع، إلا أن ذلك قد يرتطم بتعقيدات ترتيب المِلكية، فبالتأكيد لن تتنازل العائلة عن كونها أكبر حامل للأسهم في أي عملية للاندماج أو الاستحواذ أو التحالف، خُصوصًا بعد تنازلها السابق عن جُزء من أسهمها في سبيل إنقاذ المجموعة في 2012.
التحدّي الثاني يتعلق بالحُكومة الفرنسية، سيكون هنالك مخاوف تتعلق بنفوذها على مجلس الإدارة، وللتذكير، فإن أحد التفسيرات لإلقاء القبض على اللبناني – البرازيلي كارلوس غُصن رئيس “تحالف رينو نيسّان” في اليابان، والإطاحة به من رئاسة التحالف، كان تفكيره في الدمج الكامل للشركتَيْن، ومخاوف اليابانيين لأن تُصبح الكلمة العُليا للحُكومة الفرنسية، التي تستحوذ على نسبة وازنة من أسهم رينو، وقد تتكرر مثل هذه المخاوف مُجددًا مع “بي أس أيه”.
والتعقيد الثالث مُرتبط بالصينيين، حيث قد يكون هنالك مُعارضة من جهات رقابية وسياسية في أمريكا أو أوروبا حول الاستحواذ على شركة للسيارات من طرف مجموعة فيها مُساهم صيني كبير، مما سيُثير مخاوف التجسس الصناعي وسرقة المعلومات الحسّاسة.
3 تعليقات