الزَمنُ يتغيَّر، وهذا يتطلَّبُ تغيُّرًا في المُقاربات والقرارات، ويبدو بأن مِرسيدس لا تخشى شيئًا، حيث تأخُذه على محملِ الجدّ، وقرَّرَت وقف استخدام عُلب التُروس اليدوية وتقليص عدد مُحركات الاحتراق الداخلي لديها.
ليسَ سرًّا بأن مرسيدس تسعى لمُضاعَفَةِ مبيعاتِها من السيارات الكهربائية عبر تقديم طرازات جديدة، ليس لها وحَسْب، بل حتّى للعلامات التابِعةِ له مثل “أيه أم جي AMG” و “مايباخ Maybach”، ولديها خطة لطرح عدَّة طرازات كهربائية؛ EQA و EQB و EQE السيدان و EQS وكذلك EQS SUV، تُضاف إلى طراز EQC المُدمج- كروس أوفر، مع مُلاحظةِ أنها تُحاكي أُسلوب التسمية الحالية لطرازات مرسيدس العامِلة بمُحرِّكات احتراق داخلي.
لكن في ذاتِ السياق، يتطلَّبُ تطويرُ وإنتاج هذه الطرازات استثمار مبالغَ طائلة، فنَحنُ نتحدَّث عن عصرٍ جديد من السيارات، التي لا تتشارَك، أو تتشارَك القليل فقط، مما لدى مرسيدس من مُكونات وأجزاء، إذ إن المُحرِّكات الكهربائية ومُدَّخرات الطاقة وقواعِد العجلات والأنظِمة الإلكترونية والبرامج للتحكُّم بها أشياء جديدة بالكامل حتمًا، ستُصمَّم وتُطوَّر وتُنتَج من الصفر، وهكذا على المجموعة الألمانية تدبُّرَ أمرها من أجل توفير التمويل لهذه الأشياء من خلال تقليص النفقات والتوقُّف عن إنتاج السيارات والأشياء الأخرى في القطاعات التي لا مُستقبَلَ لها في هذه الأجواء المُكهربة، وبذلك أصبَحَت عُلب التُروس اليدوية على قائمة الأمور التي ستتوقَّف الشركة عن استعمالها.

وفقًا لماركوس شايفِر Marcus Schaefer، رئيس قسم التطوير والأبحاث في مرسيدس، فإن الشركةَ ستتوقَّف تدريجيًا عن استِخدامِ عُلَب التُروس اليدوية تدريجيًا في سياراتها، وسيُؤثِّرُ هذا على الأسواق الأوروبية، في حين أن السوق الأمريكي يميل مُنذ عُقود لخيار عُلب التُروس الآلية، كما إن آخر سيارة بعُلبة تُروس يدوية وفِّرتها مرسيدس في الولايات المُتحدَّة الأمريكية كانت طراز “أس أل كاي 250 SLK”، التي توقَّفَت عن بيعها عام 2015. أما في المنطِقة العربية، تُشكِّل مبيعات السيارات بعُلَب التُروس الآلية غالبية مبيعات السيارات الجديدة في أسواق مثل الأردن والخليج العربي.

إلى جانِبِ ذلك، ستعمل مرسيدس تدريجيًا على تقليصِ قائمة الخيارات المُتوفرة لمُحرِّكات الاحتراق الداخلي، وذلك بنِسبةِ 70 بالمئة حتى نهاية العقد الجاري، يترافقُ ذلك مع تقليص الاستثمار فيها وفي تطويرها، وربما تكون المُحرِّكات العامِلة بوقودِ الديزل الضحيةَ الأولى، حيث قالت مجموعة “دايملِر Daimler”: “ستتراجَع الاستِثمارات في مُحرِّكات الاحتراق الداخلي سريعًا”، يُضافُ إلى ذلكَ تشديد العديد من الدول، الأوروبية غالبًا، القوانين المُتعلِّقة بالنسب المسموحة للانبعاثات الغازية المُلوثَّة الصادرة عن السيارات.
وفي خُطوةٍ إضافية، ستعملُ مرسيدس أيضاً على تقليص عددِ قواعِد العجلات المُستخدمة تقليصًا كبيرًا، حيث تتشارك طرازات أكثر نفس قاعِدة العجلات والمُكوِّنات الأساسية بقصدِ توفير المال وتوزيعِ تكاليفِ التطوير على مروحةٍ أكبر من الطرازات.
وعلى سبيل المثال، أوقفت مرسيدس مُؤخرًا إنتاجَ طرازي “أس كلاس كوبيه S Class Coupe” و “أس كلاس المكشوفة S Class Convertible”، كما تسعى لـ “ترشيق” مجموعةِ عُروضها بإيقافِ إنتاجِ وتسويق الطرازات التي لا تُحقِّق مبيعات كبيرة، وتقليل الخيارات المُتاحة لكل طراز.

على المدى القريب، تهدُف المجموعة الألمانية لتقليص نفقاتها الثابِتة بأكثر من 20% حتى العام 2025، مُقارنةً بما كانت عليه في العام 2019، وكذا الأمر والنِسبة مع نفقات قسم الأبحاث والتطوير R&D، كما تتطلَّع لتقليص النفقات المُتغيِّرَة بنسبة واحد بالمئة حتى تلك الفترة.
يُقال بأن التاريخ يُعيد نفسه، ويبدو بأن حقبة العشرينيات في هذا القرن ستكون صاخِبةً كما كانت عشرينيات القرن الماضي، التي عُرِفَت باسم “العشرينيات الهادرة Roaring Twenties” أو “السنوات المجنونة Années Folles” بالفِرنسية، التي شاعَ فيها استخدام السيارة والأجهزة الكهربائية والمنتجات العصرية بفضل التطوُّر العلمي والتقني الهائل، وسنرى مرسيدس، والكثير من شركات إنتاج السيارات، تُبدِّل جِلدها بفضلِ الكهربة.