كشفت بيانات “جاتو دايناميكس” بأن الطلب المُتزايد على المركبات الخدماتية الرياضية والمُدمجة-كروس أوفر يُعيق الصانعين من تحقيق التزاماتهم بخفضِ الانبعاثات الغازية الضارة وفق أنظمة الاتحاد الأوروبي.
كتبَ هذا الموضع فيليبي مونوز Felipe Mumoz، وهو خبيرٌ كولومبي في تحليل بيانات صناعة السيارات والتعرف على التوجهات فيها ووضع تصورات وتقارير عن الجانب المخفي منها، إلى جانِبِ خبرته في التسويق والتمويل، يعملُ مونز حاليًا من إيطاليا ويهتمُ بأخبار صناعة السيارات على المُستوى العالمي، وقد ارتأينا تقديمه بتصرِّفٍ بسيط نظرًا لأهميته في تحديد التوجهات المُستقبلية للسيارات الخدماتية الرياضية والمُدمجة-كروس أوفر أوروبية الصُنع، وحتى باقي فئات السيارات الأوروبية.
يفرض الاتحاد الأوروبي قيودًا أكثر صرامةً على الانبعاثات الغازية الضارة الصادرة عن المركبات، في المُقابل يشهدُ قطاع المركبات الرياضة العملانية رُباعية الدفع SUV والمُدمجة Cross-over نُموًا كبيرًا في المبيعات، يتبعهُ توسُّعُ الفارق بين مُعدَّل الانبعاثات والأهداف التي حدّدها الاتحاد الأوروبي لخفضها، وهذا يجعل شركاتِ إنتاج السيارات أمام خيارَيْنِ أحلاهُما مُرٌّ؛ التخليّ عن المبيعات الكبيرة والأرباح المُغرية للمركبات الخدماتية الرياضية والمُدمجة-كروس أوفر أو المُجازفة بمُخالفة قُيود الاتحاد الأوروبي.
أجرَت مُؤسسة “جاتو دايناميكس JATO Dynamics” دارسة توصلَت إلى إن الانبعاثات الغازية الضارة الصادرة من سيارة دفعٍ رُباعي أعلى بمُعدَّل 36.5 غرام لكل كيلومتر عن الهدفِ الذي حدَّده الاتحاد الأوروبي، علمًا بأن هذه الفئة تؤدي دورًا هامًا في تحديد نِسَب مُساهمة كل صانع للسيارات في إجمالي انبعاثات ثاني أُكسيد الكربون، إذ أن 38% من السيارات الجديدة المُسجلَّة في دوائر السير في العام 2019 من الفئة، في حين تحتَل المركز الرابع في قائمة أكثر قطاعات السيارات نفثًا للغازات الضارة للبيئة، وذلك بعد السيارات الرياضية والصالون الفخمة والشاحنات المُغلقة، والتي تُشكِّل جميعها ما نسبته 4.5% من إجمالي المركبات المُسجلَّة في أوروبا.

حاليًا، تُعتبر المركبات الخدماتية الرياضية والمُدمجة-كروس أوفر بعيدةً عن تلبية المُتطلَّبات الأوروبية، إذ تنفث هذه الفئة من السيارات ما مُعدَّلهُ 131.5 غرام لكل كيلومتر في العام 2019، وفي هذا زيادة بنسبة 50% تقريبًا عن الهدف المنشود، 95 غرام لكل كيلومتر.
تدفع هذه المُعطيات الكثيرين بالتشكيك في أخلاقية شراء سيارة من هذه الفئة.

كما إن هذه الفئة من المركبات تُؤدي دورًا هامًا في رفعِ مبيعات الشركات الصانعة للسيارات ومعها تزدادُ الأرباح، ولكنها تُبعدهم أكثر عن تحقيق الأهداف المرجوة للحدِّ من الانبعاثات الغازية الضارة، وذلك نظرًا لحجمها ووزنها. وهكذا وقع الصانعون في حيرةٍ من أمرهم؛ العمل على تلبية مُتطلَّبات الاتحاد الأوروبي لتفادي الغرامات التي تُفرض على من لا يتقيَّد بها وفي نفس الوقت الحفاظ على الربحية.
الوضع الحالي لصناعة السيارات ليس مُبشِّرًا بحدِّ ذاته، فالشركات تُعاني من تراجع مبيعات السيارات في الصين تراجعًا حادًا في العام الماضي، في حين تباطأت المبيعات في أوروبا والولايات المُتحدَّة الأمريكية، لذا يُصبحُ من الصُعوبةِ بما كان في مثل هذه الظروف المُتقلِّبة الحفاظ على الإنتاجية الكبيرة للمصانع ومُواجهة الانخفاض في ثقة المُستهلكين، وفي ذات الوقت الالتزام بتطبيق أنظمة الاتحاد الأوروبي.
يُضاف إلى ذلك ازدياد المُنافسة لتحقيق الأرباح يُرافقها احتدام السباق لتحقيق قَصَبَ السبق في مجال كهربة السيارات، لذا فإن الشركات تبذُل جُهودًا مُضاعفةً يُرافقُها إنفاق مبالغَ طائلة في أعمال البحث والتطوير، وكل هذا هذا يُعمِّق نزيف الأموال في البيانات الكلية للشركات، عاجلًا لا آجلًا.
المركبات المُدمجة الصغيرة تُقدِّم حلًّا
من بين الحُلول المنظورة من أجل علاج هذه المشاكل والتحدِّيات هو تقديم المركبات الخدماتية الرياضية والمُدمجة-كروس أوفر أصغر حجمًا، تكون أخفُّ وزنًا وأكفأ في استهلاك الوُقود، وأن لا تكون سيارات دفعٍ رُباعي حقيقة – أي تكتفي إما بالسحب الأمامي أو الدفع الخلفي – نظرًا لأن نظام الدفع الرُباعي يُعقِّد الأمور بتطلُّبه استهلاك مزيد من الوقود. وفي التفاصيل، يبلغُ مُعدَّل الانبعاثات الغازية من هذه الفئة الفرعية 122.7 غرام لكل كيلومتر، وهو أقل من مُعدلات الانبعاثات في باقي فئات سيارات الدفع الرُباعي الأكبر، رغم أنه أعلى بمقدار 0.4 غرام لكل كيلومتر مُقارنةً ببيانات العام 2018.

لكن هذا جُزءٌ من الصورة الأكبر، رغم أن هذه الفئة تبقى أفضل أداءً من نظيراتها الأكبر حجمًا، إلا أنها بعيدةٌ كل البُعد عن المُعدَّلات التي تُسجِّلها السيارات الصغيرة جدًا Sub-compact والصغيرة Compact وحتى مُتوسطة الحجم Mid-size، نظرًا لافتقارها لخيارات أنظمة الدفع الكهربائي. كان هنالك أربعة طرازات فقط تتوافر بخيار المُحرك الكهربائي في العام 2019، شكَّلت ما نسبته 2%ة فقط من حجم السيارات المُسجلة في قطاع سيارات الدفع الرُباعي. مما يعني بأن المُستهلكين سيستمرون بشراء الطرازات التي تستهلك كثيرًا من البنزين والديزل على ضوءِ قلةِ الخيارات المُتاحة لأنظمة الدفع البديلة.
قد يُفكر الصانعون مرتين قبل إطلاق طرازات مُدمجة-كروس أوفر جديدة!
هنالك شيءٌ واحدٌ مُؤكَّدٌ، مع اقتراب مواعيد بدء العمل بالأنظمة الجديدة فمن المُحتمل أن تُفكِّر الشركات مرتَّين قبل إطلاق مزيدٍ من الطرازات الخدماتية الرياضية والمُدمجة-كروس أوفر رُباعية الدفع، مع الأخذ بالاعتبار أن أية أرباح ستتحقَّقُ من بيعها ستذهبُ لدفعِ الغرامات الباهظة التي تزداد قيمتها بمُرور الوقت.
قطاع المركبات الصغيرة جدًا تُحقِّق ثاني أفضل مُعدَّل انبعاثات
لكن هنالك أمورٌ إيجابية؛ يُعتبر “قطاع ب Segment B” أو السيارات الصغيرة جدًا Sub-compact/ Super-mini أكبر فئات السيارات انتشارًا ومبيعًا في أوروبا، وهي ما تزال تُشكِّل أساسًا للمبيعات الكبيرة لدى عددٍ من الصانعين الأوروبيين، رغم تراجع مبيعاتها في السنوات الخمس الأخيرة نظرًا لازديادِ شعبيةِ السيارات المُدمجة-كروس أوفر صغيرة الحجم.
ومع إنها ليست مُربحةً مثل السيارات المدمجة إلا أن شعبيتها جارفة لدى المُستهلكين الشباب. ويُعتبرُ مُعدَّل انبعاثات ثاني أُكسيد الكربون منها في 2019 كان ثاني أقل مُعدَّل بعد السيارات المُدُنية، بمُعدَّل 109.1 غرام لكل كيلومتر. إلا أنه ما يزال أكبر من المُعدَّل المُسجل في 2018 وبلغ 106.8 غرام لكل كيلومتر، ويبذل عددٌ من الصانعين جُهودًا لمُواجهة ذلك من خلال كهربة كامل عُروضهم ضمن هذه الفئة.
أبرزُ مثالٌ على ذلك سيارة رينو “زوي Zoe”، التي تتواجد في الأسواق مُنذ 2012، لكن بدأت مبيعاتها بالازدياد في آخر عامين، حيث تُعتبر مثالًا يُحتذى به للسيارات الصغيرة الكهربائية الصرفة التي فتحت الباب أمام ظهورٍ مزيدٍ من الطرازات الشبيهة، مثل النٌُسخ الكهربائية من سيارات بيجو “208” ونسيبتها الألمانية أوبل “كورسا Corsa”.
مع ذلك، وبالنسبة لحجم المبيعات، فإن المُحرِّك الحقيقي للتغيير كانت سيارة تويوتا “ياريس الهجينة Yaris Hybrid”، مع تسجيل 104600 وحدة في 2019، شكلَّت نصف مبيعات العلامة اليابانية في أوروبا.

السيارات الصغيرة تحتاجُ لتبنِّي الكهربة
يُعتبر “قطاع ج Segment C” أو السيارات الصغيرة Compact ثالث أكبر فئة شعبية في أوروبا بعد السيارات الصغيرة جدًّا والمُدمجة، وفيها عددٌ من أشهر الطرازات، مثل فولكس واجن “غولف Golf” وفورد “فوكَس Focus” وشكودا “أوكتافيا Octavia”، وفي الآونة الأخيرة ازدادت شعبية طرازات مرسيدس “أيه كلاس A Class” وأودي “أيه 3 A” و”بي أم دبليو”الفئة الأولى Series 1” بين المُستهلكين.
تنفُثُ سيارات هذه الفئة ما مُعدّله 114.8 غرام لكل كيلومتر من ثاني أُكسيد الكربون في 2019، وهو ثالث أقل الفئات تلويثًا ومُشابهٌ للمُعدَّلات المُسجلة من “قطاع د Segment D” أو فئة السيارات مُتوسطة الحجم Mid-size، التي تُصدر ما مُعدَّله 115.9 غرام لكل كيلومتر، وهذا مُفاجئٌ عندما نُقارن بين الأحجام والأوزان في هاتين الفئتين، إذ يتوقَّعُ الشخص العادي فارقًا أكبر من ذلك.
السبب في تقارب المُعدلات بين هاتين الفئتين عائدٌ لوصول سيارة تِسلا “طراز 3 Model”،العاملة بالطاقة الكهربائية الصَرفَة ولا يصدُر منها أية انبعاثات غازية، وحقَّقت مبيعات قوية في السوق – فقد باعَت الشركة الأمريكية في أول عام كامل لها 95 ألف وحدة، وأصبحت أفضل سيارة صالون مُتوسطة الحجم مبيعًا في أوروبا مُتفوقةً على أسماءٍ أكثر شعبيةً فيما مضى مثل “بي أم دبليو” “السلسلة الثالثة 3 Series” ومرسيدس “سي كلاس C Class” وفولكس واجن “باسّات Passat”.

وخلال تلك الفترة لم يظهر طرازات جديدة في هذا القطاع مع مزايا جددية وتنافسية لسيارة تِسلا، وتفتقر طرازات نيسّان “ليف Leaf” وفولكس واجن “إي غولف e-Golf” وهيونداي “إيونيك Ioniq” لـ “الهالة” التي تتمتَّع بها الأمريكية، كما إنها أغلى ثمنًا عند المُاقرنة بشقاتها العاملة بمُحرِّكات احتراق داخلي (بنزين أو ديزل)، مع ذلك، يبدو بأن هنالك تغييرًا سيحصل وذلك مع تقديم الجيل الجديد من طراز “غولف”، وطراز “آي دي 3 ID” الكهربائي بالكامل، ونُسخ كهربائية من سيارات الهاتشباك المُصنَّفة راقية Premium.
ما الذي على فئة سيارات المُدمجة فعله للاستمرار؟
سيُواجهُ الصانِعون غراماتٍ باهظة إن استمرت شهية المُستهلكين مفتوحة لشراء مركبات مدمجة، كما لن يكون من السهل عليهم وقف إنتاج مركبات زادت مبيعاتهم وأرباحهم طيلة السنوات العشر الماضية، لذا قد يكون الحل بـ “كهربة” هذه الفئة من المركبات، لكن على المدى القصير قد تُجبَر الكثير من الشركات على وقفِ بعض طرازات الدفع الرُباعي.
رغم أن هذه إحدى الطُرق لخفض مُعدَّلات الانبعاثات الغازية، فإن الصانعين سيُواجهون غرامات باهظة إذا لم يتخذُّوا إجراءاتٍ من شأنها خفض الانبعاثات مع نهاية العام. إضافةً إلى الظهور المُفاجئ لجائحة الحُمَّة التاجيَّة المُستجدَّة “كوفيد 19 COVID”، إذ يتعيَّن على صناعة السيارات مُواجهة تحدِّيات أنظمة الاتحاد الأوروبي والغرامات الناجمة عنها في ذات الوقت.
نبذة موجزة عن “جاتو ديناميكس“:
أسسَّ جايك شافران Jake Shafran مُؤسسة “جاتو ديناميكس” في العام 1984، وكان من أوائل الذين قدَّروا الأهمية الحاسمة للمعلومات والتصوُّر العميق، وتعمل حاليًا على المُستوى الدولي وتتواجدُ في عددٍ من الأسواق العالمية مع معرفةٍ كبيرةٍ بها، وتُقدِّم “جاتو” تقارير حول العديد من الجوانِب في صناعة السيارات، مثل الصانِعين والوكالات والأساطيل وشركات التأجير وأخبار المُستهلكين. وتتشارك مُنذ 2015 مع مُؤسسة “أل أم سي أوتوموتيف LMC Automotive” المُتخصصة بتحليل بيانات صناعة السيارات.