يُتحفنا المُصمم المصري مصطفى رمضان المرة تلو الأخرى بتصاميمٍ لمركبات مُذهلة فعلًا، أقل ما يُمكن وصفها بأنها صادرة من شركة عالمية مرموقة، أو دارٍ مُتخصصة بالتصميم مثل بينينفارينا أو جيوجيارو. وفي هذه المرَّة، يُعود مصطفى للعمل على نموذجٍ لسيارة مُستوحاة من الحضارة الفرعونية – للمرّة الثانية- تحمل اسم حورس Horus، وأقرب لقلوب المهتمين بالسيارات المُدمجة – الكروس أوفر.
يقول السيد مصطفى فؤاد رمضان أنه عمل في هذا المشروع على إعادة إحياء الحضارة المصرية القديمة، وتجسيد بعض تفاصيلها في تصميمها الجديد. وخصوصًا الإله حورس، الذي غاب لآلاف السنين، ويعود اليوم لنا بكامل قواه ونفوذه، ولكن بشكل عصري ليُبهر العالم مرة أخرى كما فعل في السابق!

سيارة حورس الجديدة.. تَذَوَّق التصميم
لا نتوقع منك العجلة بالنظر إلى الصور سريعًا، والحكم دون تذوُّق التصميم بهدوء، فنحن نتحدث هنا عن مشروع متكامل قضى مصطفى بإعداده ما يقرب سنة ونصف، وعمل على عددٍ من البرامج لتنفيذه، منها أدوب Photoshop وIllustrator وكذلك Blender 3D و Substance Painter.
لفهم التصميم، يجب بداية الانطلاق من شعور مُحايد تجاه السيارة، فالإعجاب بها مُباشرة سيضعنا في موقع المُتغزِّل لا أكثر، أما النقيض فسيؤدي إلى بقاء العديد من التفاصيل الذكية بعيدة عن الفهم. وبهذا سنبدأ من موقع مُحايد تمامًا.

سيارة حورس.. أهرامات وصقر وزهرة لوتس وأشياء أخرى
يؤكد مصطفى رمضان أنه استمد العديد من التفاصيل من الحضارة الفرعونية، فمثلًا تأتي المقدمة بمصابيح رئيسية شبه دائرة تحاكي شكل عين الصفر في مُجسَّم حورس، يعلوهما خط واضح هو الحاجبان، وأدنى من ذلك قليلًا هناك نتوء مُتجه للأسفل في المصد مُستمدٌ من شكل المنقار، يمتد إلى الجانبين ثم ينعكف سريعًا للأسفل ويرتد للأعلى ليرسم شكل امتداد المنقار من الجانبين أيضًا. ثم يأتي فصل مُختلف تمامًا مع مصابيح نهارية في المصد الأمامي مُثلثة الشكل ومُستلهمة بالتأكيد من الأهرامات.
بين هذه وتلك، نجد مقدمة شبه مصمتة، فنظام الدفع كهربائي يتوافق وتوجهات المُستقبل، كما نجد مصابيح مثبتة على السقف رفيعة وناعمة التصميم لتأثير محدود على الانسيابية، وزنّار بالذهبي المطفي أسفل المقدمة يحاكي التفاصيل الذهبية للحِليّ الفرعونية.

تستمر الإيحاءات الفرعونية على الجانبية، ويعود تمثال الصقر ليُشكِّل المصدر الأهم ويُعطى أكبر خط مُمتد على الجسم، فإن نظرت إلى البابين ستلاحظ وضوح الخط أسفل الزجاج والذي ينحني للأسفل قبل وصول قوس العجلة الأمامية، ثم يعود للخلف سريعًا ليُحاكي شكل جناح الصقر.
أما العجلات فمميزة بالتأكيد مع شكل مُكرَّر أساسه الخطوط العامة لنقوش زهرة اللوتس في الآثار الفرعونية… لطيف!
نُلاحظ أيضًا عدم توازي الخطوط الأخرى سواء للأبواب أو أقواس العجلات أو النوافذ أو السقف، وهذا يعمل على إعطاء طابع حيوي للتصميم ويدفع بعينك لرسم امتدادات لتلاقي الخطوط أبعد من حجم المركبة.


نصل إلى الخلف، حيث تعود الأشكال المُثلثة للأهرامات في المصابيح السفلية، والأجمل منها أشكال مثلثة في الشريط الضوئي المُمتد بعرض المؤخرة، والذي تخفُت إضاءته في المُنتصف عند العلامة الدائرية وفيها رأس الصقر. أعلى من ذلك وفوق الزجاج الخلفي يُلاحظ مصباح تفعيل المكابح، وهو إلزامي في صناعة السيارات، وهنا يبدو أن مصطفى استمد الشكل من بعض طرازات سيارات السباق التي تأتي بمصباحين طوليين قصيرين.
وننهي جولتنا الخارجية بإلقاء نظرة على السقف الزجاج المُمتد حتى أعلى رؤوس الجالسين في الخلف، فهو مُعتم جُزئيًا وتتخلله رسومات للنجوم مطابقة في تفاصيلها لتلك النجوم الموجودة في أسقف الغرف الفرعونية. المميز أيضًا هو احتواء الزجاج للمصباحين العلويين، فهما جُزء من تكوينه وغير منفصلين بغطاء خارجي.


مقصورة هادئة وناعمة التفاصيل
في الداخل ستجد لوحة قيادة هادئة التفاصيل، مع خط ممتد بالأبيض الحلبي، قد يكون مُستمدًا من لون اللؤلؤ المعروف كحِليّ للملوك. هُناك أيضًا مقابض أبواب مثلثة الشكل هي أهرامات المقصورة، وبلون ذهبي مطفي. أما بطانات الأبواب فتأتي بتدرجات من أطياف الأزرق الذي نراه في الملابس الفرعونية.
إن استخدام التفاصيل العرضية الممتدة بعرض لوحة القيادة بدءًا من اللون الأسود لأعلى لوحة القيادة ثم الذهبي والأبيض والأسود تباعًا يخلق إحساسًا باتساع المقصورة، وهذا أمر مرغوب بالفعل في سيارة من المُفترض أنها موجهة لاستخدام العائلة.



يقول مصطفى أن السيارة بالنسبة له ليست مجرد آلة بل “اكسير السعادة”، وأنه يحلم بأن يقود سيارة من تصميمه مُستمعًا للموسيقى على طريق سفر طويل. إنه حُلم رقيق برأينا، يبدو بديهيًا لنا جميعًا عشاق السيارات، لكنه في ذات الوقت يتطلب الكثير من العمل والمُمارسة لشحذ المهارات، والعلم للإلمام بمتطلبات المهنة.
لدى مصطفى فرصة طيبة برأينا في صناعة السيارات، فنموذجه حورس جميل وجيد الإخراج، بل أنه أضاف موسيقى مُستوحاة من الألحان المصرية لتعيش جو النموذج بالكامل.
نظرة عامة
يتأتّى الإلهام لمُصممي السيارات من بيئتهم، فيُطوِّعوا ما يرونه ليعكس تفاصيل مُثيرة أو يُحاكي بطولاتٍ تاريخيةٍ أو حتى أساطير، هُناك عدد هائل من الأمثلة، نذكر بعضها للتوضيح فقط؛ فهناك مطرقة ثور Thor Hummer التي اعتمدتها فولفو لتصميم شكل المصابيح الأمامية في سياراتها الحديثة، وهناك رزفاني هِرَقل وفولكس واجن فيتون، و”أنف النمر” لدى كيا الذي يُظهر أهمية النمر في الحضارة الآسيوية، وما رأيك بـ كورفيت ستينغراي الأولى التي قسّمت النافذة الخلفية لمحاكاة ذيل أسماك الرقيطة، هُناك عددٌ كبيرٌ من السيارات التي تسمّت بأسماء الحيوانات أيضًا.
لكن الأمر في منطقتنا هادئ تمامًا، مصادر الإلهام موجودة طبعًا وحضارات المنطقة متنوعة وغنيّة، لكن لا وجود لشركاتٍ قوية فعلًا. عدا عن دبليو موتورز للسيارات الخارقة التي تقول أنها شكّلت العديد من تفاصيل لايكان بالرقم ٧، وسيارة القدس التي ستأتيكم بقبة المسجد الأقصى في المُقدّمة، أما ساندستورم الإماراتية فاكتفت بالاسم “الريم” لأحدى طرازاتها، فهي في النهاية نماذج لمركبات صينية بعلامة جديدة.
بأي حال، تبقى مصادر الإلهام وفيرة تفوق ما يُصممه أبناء المنطقة، وهذا سهَّل على المُصمم المصري السيد مصطفى فؤاد رمضان الاختيار بما يحلو له، فكان أن قلَّب تاريخ مصر العريق، واستهلم من الحضارة الفرعونية ما يشاء.
حورس: إله الشمس عند قدماء المصريين، ويأتي بشكل الصقر ويرمز للخير والعدل، بل أن جميع ألقاب الملوك الفراعنة كانت تبدأ بـ حورس
نعود للتأكيد بأننا قادرون على إنتاج سيارة عربية حقيقة 100%، وهناك الكثير من المُصممين البارعين أمثال البناني كريم حبيب والمصري إيهاب قاعود والجزائريَين مروان خياط ورفيق فراج والسوري عدنان المالح، كما أن هناك مهندسين نوابغ أمثال الليبي عماد دلالة والسوري مهيار أيوبي والتونسي محمد رضا بكوش، وغيرهم الكثير، كما أن المغرب وضعتنا على خريطة إنتاج السيارات العالمية… صدّقونا لو اجتمعوا سنستطيع إنتاج سيارة عربية نُفاخر جميعًا بها!
صور سيارة حورس
















عن المُصمم مصطفى رمضان
كان مصطفى في صغره مُحبًا للسيارات -مثلنا جميعًا، ثم بدأ بصنع مجسمات للسيارات من الورق. وبما أنه درس في كُليّة الفنون التطبيقية فقد كان له إمكانية عرض أعماله في معرض الجامعة. لاقت أعمال مصطفى اهتمامًا واسعًا ليتشجّع ويبدأ المشاركة في معرض القاهرة الدولي للسيارات لثلاث سنوات علي التوالي، تعلّم بعدها العمل على برنامج ثلاثي الابعاد وصار قادرًا على تحويل تصاميمه المرسومة على الورق إلى نماذج ثلاثية الأبعاد بما حقق قفزة هائله في مستوى العمل و الإتقان.
أدناه بعض من أعمال مصطفى فؤاد رمضان والتي تُظهر مدى إبداعه وقدراته الفنية، ولا تنس الإطلاع على نموذجه الآخر المُذهل، حورس سيدان.


