هنالك صلة وثيقة ما بين التاريخ والعسكرية، إذ لا يُمكن للعسكري أن يكون ناجحًا من دون قراءة التاريخ، ويبدو بأن جنرال موتورز تقرأ التاريخ بالفعل، لدرجة أنها صاغت اسمًا لمركبتها الجديد بحيث يكون اختصارها “سوروس SURUS” أي “السوري” وهو الفيل الحربي القائد الذي كان يمتطيه حنبعل في حملته لاحتلال روما.

قدمت شركة جنرال موتورز الأمريكية على هامش الاجتماع السنوي لمُلتقى ومعرض “رابطة جيش الولايات المُتحدة الأمريكية AUSA”، مركبة دفعٍ رُباعي جوالة تعمل بتقنية الخلية الوقودية Fuel Cell، وأسمتها “مركبة عملانية جوالة صامتة ذات بُنية فوقية شاملة Silent Utility Rover Universal Superstructure”، ذات استخدام مُزدوج (مدني أو عسكري).
بالنسبة للاستخدامات المدنية، تُروج الشركة لإمكانية استخداماها في أعمال الشحن والنقل كمركبة مأهولة أو غير مأهولة ضمن أساطيل الشحن، وحتى للاستجابة للكوارث الطبيعية، ذلك أن طبيعتها المرنة تُتيح استخدامها كمركبة لشحن المواد والبضائع، أو تحويلها لمراكز طبية مُتنقلة وحتى لوحدات لتوليد الطاقة الكهربائية، بفضل الجيل الثاني من الخلية الوقودية العاملة بالهايدروجين، والتي أسمتها جنرال موتورز “هايدروتِك Hydrotec 2”.
بالنسبة لمُواصفات المركبة فهي تشمل مُحركَين كهربائِيَين، ونظام للتوجيه بالعجلات الأربعة، مما يُتيح للمركبة الدوران ضمن مساحة أضيق، ومنافذ للطاقة الكهربائية موجودة بالفعل ضمن هيكل المركبة الأساسي مع مُدخرات طاقة من شوارد الليثيوم، ونظام تعليق مُتطور يُمكن المركبة من السير في مُختلف التضاريس الوعرة، وإمكانية إنتاج المياه كمُنتج ثانوي، وعزم دوران مُرتفع ومُستمر، واجتياز مسافة كبيرة، وصديقة للبيئة حيث لا يصدر عنها أية انبعاثات غازية مُلوثة “Zero Emissions”، ومرنة الاستخدام بحيث يُمكن استخدمها لنقل البضائع بصيغتها الأساسية، أو تركيب وحدات مُسبقة الصنُع عليها بحيث يُمكن تخصيصها حسب الحاجة، الأمر الذي يُتيح خيارات غبر محدودة “نظريًا”.
كلمة “نظريًا” هنا هي “مربط الفرس … أو الفيل”، فالاسم المُختصر للمركبة ومكان تقديمها، والنماذج الأولية لها، تُشير إلى أن الشركة تسعى للترويج لهذه المركبة لدى القطاع العسكري بالمقام الأول، ومن المُتوقع أن تلقى قبولًا إيجابيًا لديهم، علمًا بأنها طُورت استنادًا على المركبة الاختبارية شيفروليه كولورادو Colorado ZH2 ذات الطابع العسكري. والتي تلقت رُدود فعلٍ إيجابية بالنظر إلى سُرعتها وأدائها إلى جانب انخفاض بصمتها الصوتية والحرارية وعدم انبعاث أية روائح منها تُشير لوجودها، إذ قال أحد الذين شاركوا في التجارب أنهم تمكنوا خلال الاختبارات من مُحاكاة عملية دخول أرض مُعادية والاقتراب لمسافة 100 متر من معقلهم، وجمع العديد من المعلومات والانسحاب من دون أن يشعر بهم أحد.
وتحدث أحد الضباط الذين شاركوا في تجارب تقييم كولورادو “زد أتش 2” والتي تمتد لعامٍ كامل وتنتهي في ربيع العام 2018، أن من المُمكن استخدام خلايا الوقود هذه كمصدرٍ للطاقة الكهربائية في حال الطوارئ ولتشغيل الأجهزة، مما يعني الاستغناء عن المُولدات العاملة بالديزل، إلى جانب إنتاج نحو 8 ليترات من الماء الصالح للشُرب في الساعة، مما يُمكن الدوريات الجوالة من الاستمرار في العمل لفتراتٍ أطول من دون دعم وبدون أن يشعر بها أحد.
ونُقلت هذه المزايا إلى مركبة “سوروس” ولكن بمُستوى أفضل، حيث تُخطط جنرال موتورز لاختبار الجيل الثاني من الخلية الوقودية، كما استعرضت الشركة قُدرات المركبة في العمل كمركبة مأهولة أو غير مأهولة، فعلي سبيل المثال يُمكن إرسال قافلة منها لنقل المعدات مع وجود طاقم يقود المركبة الأولى فيما تسير باقي مركبات القافلة آليًا على إثرها، أو مركبة استطلاع مُسيرة عن بُعد، كما يُساعد مُولد الطاقة الكهربائية على استخدامها كمنصة لتركيب الأنظمة العسكرية التي تستهلك طاقة كبيرة على غرار أنظمة الاتصالات والرادار والاستكشاف بالليزر والأنظمة الصاروخية أو كغُرف قيادة ميدانية.
وقال المُدير التنفيذي لأعمال الخلية الوقودية الدولية لدى جنرال موتورز، تشارلي فريز: “تُعيد مركبة سوروس تحديد تعريف تقنية الخلية الوقودية الكهربائية للاستخدام على الطرقات السريعة والوعرة، وشركتنا مُلتزمة بتقديم أنظمة ذات أداءٍ عالي بدون انبعاثات غازية مُضرة لحل التحديات المُعقدة للعديد من العُملاء”
كما تطرق لقصة الاسم خلال العرض الذي قدمه خلال المعرض، حيث شرح كيف أن الفيل “سوروس” كان منصة مُرتفعة ساعد حنبعل على استطلاع أرض المعركة ومنح قواته أفضليةً على أعداءه.
مع ذلك يبقى العائق الوحيد الآن هو النقص في البُنية التحتية اللازمة لتزويد هذه المركبات بالهايدروجين، وتأمل جنرال موتورز والجيش الأمريكي توسع الشركات في الاستثمار في محطات الوقود الهايدروجينية في المُستقبل القريب، وهو أمرٌ ليس بالمُستحيل بالنظر للاهتمام المُتزايد بالخلية الوقودية من شركات سيارات كبيرة على غرار تويوتا وهوندا وهيونداي وحتى تيسلا التي تُفكر في تقديم شاحنة كبيرة تعمل بالخلية الوقودية، وحتى حُكومات العديد من الدول على غرار الإمارات العربية المُتحدة التي تُفكر بالهايدروجين كوقودٍ للمُستقبل.