- الصعوبات التي قد تواجه التحالف بين فيات - كرايسلر و مجموعة رينو
- ما علاقة الحكومة الفرنسية وتأثيرها
- من سيكون المالك الأكبر لحصص تحالف فيات كرايسلر ومجموعة رينو
خالد الناصير
قدمت مجموعة “فيات – كرايسلر للسيارات” عرضًا للاندماج مع مجموعة رينو الفرنسية، قد يُؤدي لتكوين أكبر مجموعة للسيارات في العالم في حال ضمت نيسان وميتسوبيشي. وفي حين استقبلت مجموعة رينو طلب الاندماج بوديّة، إلا أن اندماج مجموعتَي سيارات كبيرَتَيْن ليس سهلًا، ولن يكون الطريق لتحقيقه مفروشًا بالورود، إذ أن هنالك الكثير من الصعوبات التي ينبغي تذليلها لكي تنجح الخطة، تبدأ من الحُكومة الفرنسية وُصولًا إلى الجوانب الإدارية.
نُقدِّم في هذا التقرير رأينا حول الصعوبات التي قد تواجه الاندماج أو التحالف ما بين “فيات – كرايسلر للسيارات” و “مجموعة رينو”، وهو خُلاصةً بحث في أهم التقارير العالمية حول هذا الموضوع، ووبما يكون الوحيد من نوعه باللغة العربية.
توزيع الأسهم
تُسيطر الحُكومة الفرنسية على 15 بالمئة من أسهم رينو، وهي أكبر مُساهم فيها، وتمتلك رينو 43 بالمئة من أسهم شركة نيسان اليابانية، بينما تمتلك نيسان 15 بالمئة من أسهم رينو من دون حُقوق تصويت، إلى جانب 34 بالمئة من أسهم ميتسوبيشي اليابانية.
أبدت نيسان في عدة مُناسبات تبرُّمها من سيطرة الحُكومة الفرنسية على قرارات رينو وبالتالي السيطرة “ضمنيًا” على قرارات تحالف “رينو – نيسان – ميتسوبيشي”، علمًا بأن نيسان ورينو أبرمتا اتفاقًا في 2015 يمنع الفرنسية من التدخل في شؤون اليابانية الداخلية. لكن هذا لم يُطمئن اليابانيين، حيث يُشاع بأن نية البرازيلي – اللبناني كارلوس غُصن في دمج رينو ونيسان في شركة واحدة كان أحد الأسباب المُضمرة الحقيقية للإطاحة به من رئاسة التحالف من طرف اليابانيين، وأدى لفتور العلاقة بين الشركتَيْن.
والآن، يتضمن صُلب الاقتراح الذي تقدمت به “فيات – كرايسلر” تشكيل شركة جديدة مُناصفةً بينهما، وهذا عادل، لكن “وراء الأكمة ما ورائها”، إذ ستصبح عائلة آنيلّي Agnelli الإيطالية، المُنحدرين من جيوفانِّي آنيلّي Giovanni Agnelli، مُؤسس “فيات”، مالكة أكبر أسهم في هذه المجموعة الجديدة ضمنًا، من خلال “إكسور Exor” القابضة، التي تمتلك 29.19 بالمئة من أسهم “فيات – كرايسلر”، وتُسيطر على 44.31 بالمئة من حُقوق التصويت ضمن مجلس الإدارة. وهكذا، ستُصبح رينو ونيسان فَريسَتان لـ “فيات – كرايسلر”.
وبخلاف ذلك، تعتقد رينو بأن توقيت العرض ليس مُناسبًا من ناحية تقييم السعر الحقيقي للمجموعة، حيث انخفض سعر سهمَي رينو ونيسّان كثيرًا مُنذ إلقاء القبض على كارلوس غُصن، ولم تتعافَ الشركتان بعد من “كارما” غُصن.
مصالح العمالة في شركات المجموعَتَيْن
رفعت الحُكومة الفرنسية صوتها حيال أي اندماجٍ مُحتمل ما بين “مجموعة رينو” و “فيات – كرايسلر”، إذ قالت بأن أي اتفاق بينهما يجب أن يحفظ حُقوق العمالة الفرنسية ويُبقي على وظائفهم ومعاملهم في فرنسا تعمل. وكذا الأمر من طرف الحُكومة الإيطالية، التي لا تُريد أن يُؤدي الاندماج لإغلاق أية مصانع في إيطاليا أو تسريح عُمال فيها.
وقال مسؤول حكومي فرنسي كبير – طلب عدم الكشف عن اسمه – لصحيفة “فاينانشيال تايمز Financial Times”: “تبدو الصفقة منطقيةً للغاية على الورق … ولكننا نُريد الحفاظ على المصانع ومراكز التطوير والأبحاث في فرنسا”.
كما تضغط نقابات العُمّال في كلا البلدَين للحفاظ على الوظائف ومصالح العُمال، فآخر ما يُريده الساسة الفرنسيون تحديدًا انضمام أفواج جديدة من العُمال إلى المُتظاهرين، الذين ينزلون للشوارع للاعتراض على كل شيء، من انخفاض أسعار الحليب إلى النُخبة السياسية الحاكمة، لتكتمل بذلك مقولة شخصية مارفين بوغز في فيلم “ريد 2 RED” عندما قال بأنه جاء إلى فرنسا “لمُتابعة موسم الإضرابات”، وأدى دوره المُمثل جون مالكوفيتش.
ردّ فعل اليابانيين
طمئنت المجموعة الإيطالية – الأمريكية نظيرتها الفرنسية بأنها مُنفتحة على أية نوعٍ من الشراكة والتعاون، وبدون انضمام نيسّان أو ميتسوبيشي لهما، لبث نوعٍ من الثقة بين جميع أطراف العلاقة، وتقليل أية اعتراضات داخل “رينو – نيسّان”. هذا ولدى نيسان أحقية مناقشة أي شيء يُؤثر على التحالف.
أقرَّ المُدير التنفيذي لنيسان، هيروتو سايكاوا Hiroto Saikawa، بوجود فرص من وراء التحالف مع “فيات – كرايسلر”، ولكنه لم يُبدِ التزامًا بالاشتراك فيه، وبأنهم يحتاجون وقتًا لتقييم هذا الصفقة، وقال: “علينا النظر في الفوائد من وجهة نظر نيسان، لذا فإنه سيكون قرارًا عسيرًا”.

ومن الجوانب التي تُفكر فيها نيسان؛ كيف ستُقيِّم “فيات – كرايسلر” حصة رينو في نيسّان، علمًا بأن قيمتها تراجعت بعد اعتقال غُصن، ومدى سيطرة الفرنسيين والإيطاليين على قرارات المجموعة الجديدة، خُصوصًا بعد فُتور العلاقة بين طرفي التحالف الفرنسي الياباني.
لكن هنالك توجُّس في نيسان أكبر مما يظهر، فقد قال ساتورو تاكادا Satoru Takada المُحلل لدى مكتب “تي آي دبليو TIW” للاستشارات في طوكيو: “أولوية رينو حاليًا هي المُحادثات مع فيات كرايسلر، وبالنسبة لنيسّان فإن الاندماج المُتوقع لن يُشكل ميزة إيجابية لها، مع الاندماج ستنخفض مرتبة نيسّان ضمن المجموعة نسبيًا، وقد تتأثر استقلاليتها”.
الإدارة
كما أسلفنا، إن حصل أي اندماج فستُسيطر “فيات” على المجموعة الجديدة، وستدخل المجموعة الجديدة في سلسلة من التحديات الإدارية والتنظيمية، فمن الصعب إدارة 20 علامة تقريبًا، تصنع سيارات من جميع الأحجام والفئات، تبدأ من السيارات زهيدة الثمن والاقتصادية (داشيا Dacia ولادا Lada) وُصولًا إلى الرياضية والفاخرة (ألفا روميو Alfa Romeo وإنفينيتي Infiniti)، كما سيتطلب الأمر بضع سنوات لإعادة تنسيق الجُهود ضمن المجموعة الجديدة، مع مصانع ومراكز أبحاث وتطوير تمتد أقاصي شرق آسيا إلى الأمريكِيَتَيْن، لذا من الناحية النظرية لن يُؤتي هذا الاندماج أُكله سوى بعد بضع سنوات.
والتحدي الآخر هو الاختلافات الثقافية في الإدارة التي ستظهر بعد الاندماج، فهذه الاختلافات أحد الأسباب التي تُؤخر الاندماج بين نيسّان ورينو، وانضمام “أفراد جُدُد للعائلة مُتعددة الجنسيات” سيزيد الوضع تعقيدًا.
مصير العلامات ضمن المجموعة
ومن بين التحديات الأخرى – في رأيي – هو ترتيب العلامات داخل البيت الواحد الجديد، “جيب Jeep” و “رام Ram” هي الدجاجة التي تبيض ذهبًا لـ “فيات – كرايسلر”، كيف سيكون مُستقبلهما؟
ولأخذ العلم، المجموعة الوحيدة التي أدارت أكبر مروحة من العلامات والمصانع والشركات حول العالم كانت “جنرال موتورز”، مع اختلافات ثقافية هائلة، ووصلت لأقصى اتساعها ما بين سبعينيات القرن العشرين والعقد الأول من القرن العشرين، لكن تحوَّل الأمر لفوضى عارمة وتخبط إداري كبير، أدى لضياع هوية الكثير من الشركات ضمن المجموعة، وهدر بلايين الدولارات على مشاريع فاشلة ومُحاولات إعادة تعويم علاماتها حول العالم، أدت في نهاية المطاف إلى إنهاء إنتاج سيارات من علامات تاريخية مثل “ساب Saab” السويدية و “بونتياك Pontiac” و “أولدزموبيل Oldsmobile” الأمريكِيَتَيْن، وإفلاس المجموعة الأمريكية في 2009، كما أنهت شراكة وثيقة مع “إيسوزو Isuzu” و “سوبارو Subaru” و “سوزوكي Suzuki” اليابانِيات، وتحولت “دايوو Daewoo” الكورية الجنوبية إلى مُجرد مصنع لإنتاج السيارات الصغيرة للمجموعة الأمريكية، بينما أنهت عُقودًا من التصنيع والإنتاج المُميَّز في أُستراليا مع “هولدِن Holden”، التي أصبحت مُجرد شركة تسويق لسيارات شيفروليه تُلصق عليها علامة “هولدِن”.
فهل سنرى هذا يحصل مع بعض العلامات ضمن “رينو – نيسان – ميتسوبيشي” و “فيات – كرايسلر”؟
السياسة
هنا مربط الفرس، كم من صفقة عالمية فشلت بسبب اعتراض السُلطات السياسية المعنية عليها، وعلى الرغم من أن اليابان وفرنسا وإيطاليا والولايات المُتحدة الأمريكية حُلفاء اقتصاديين نظريًا، وينتمون لنفس المدرسة الاقتصادية، إلا أن الواقع مُرّ.
العلاقة بين فرنسا وإيطاليا في أسوا مراحلها مُنذ الحرب العالمية الثانية، بل إن فرنسا سحبت قبل أشهر سفيرها من إيطاليا! وذلك إثر اتهام الرئيس الفرنسي عمانويل ماكرون الإيطاليين بالتدخل في الشؤون الداخلية لبلاده، على إثر التوتر بين الرئيس الفرنسي وماتَّيو سالفيني، نائب رئيس الوزراء الإيطالي، المُنتمي لحزب “خمس نجوم” اليميني الشعبوي، الذي أطلق تصريحات مُؤيدة لاحتجاجات السُتَر الصفراء في فرنسا.
كما إن هنالك حساسية في إيطاليا تجاه استحواذ الفرنسيين على شركات إيطالية كبيرة وعريقة، وتُعتبر “فيات” إحدى جواهر الصناعة الإيطالية، وينظر الساسة في إيطاليا بأن هنالك فُرصة سانحة لـ “ردّ الصاع بصاعين” على فرنسا، والوقوف في وجه إتمام الصفقة، وذلك على خلفية اعتراض فرنسا على صفقة استحواذ شركة إيطالية لأخرى فرنسية.
حيث أشار داريو غالّي – نائب وزير التطوير الاقتصادي الإيطالي بأن عليهم إيلاء انتباه كبير لتفاصيل الصفقة وتحمل مسؤولية حماية العُمّال الإيطاليين، وقال: “نعرف كيف يتصرف الفرنسيون فيما يتعلق بحماية مصالحهم، ورأينا ذلك من خلال منع فينكانتييري Fincantieri من الاستحواذ على شركة فرنسية لصناعة السُفن. ولذلك، نحن نخوض نقاشًا على أعلى مُستوى [ضمن الحُكومة الإيطالية] حول ضرورة أن نكون على قدم المُساواة مع الفرنسيين ضمن المجموعة”.
وبخلاف إيطاليا وفرنسا، علينا أن لا ننسى كيف ستكون ردَّة فعل الساسة في الولايات المُتحدة الأمريكية واليابان، علمًا بأن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب – الذي يتبنّى مواقف مُتشددة حيال أية صفقات تُؤثر على العُمّال الأمريكيين والصناعة في بلاده، لم ينبِس ببنت شفة لغاية الآن حول هذا الاقتراح، ويُثير صمته لغاية الآن استغراب الكثيرين.

أخيرًا، يعتقد البعض بأن صفقة الاندماج الكامل ما بين “مجموعة رينو” و “فيات – كرايسلر” لن ترى النور للأسباب أعلاه، وبأن الأمر لا يعدو استغلال رينو لهذا العرض للضغط على نيسّان من أجل الاندماج الكامل بينهما، وبأن الأمر سيقتصر في نهاية المطاف على تعاون وشراكة، وليس اندماج، بين المجموعة الفرنسية – اليابانية ونظيرتها الإيطالية – الأمريكية.
تعليق واحد