كتب خالد الناصير
أعلنت علامة بورجوارد إفلاسها، للمرة الثانية في تاريخها، هذه المرة على يد مجموعة “بايك BAIC” الصينية – التي امتلكت حقوق العلامة الألمانية، وذلك نتيجة سوء الإدارة والتعامل مع هذه العلامة.
عادت علامة بورجوارد Borgward الألمانية إلى مشهد السيارات في النصف الأخير من عام 2015، من بوابة معرض جنيف الدولي للسيارات، بعد أن بقيت طيّ النسيان لأكثر من خمسين عامًا، وذلك بفضل جهود شركة صناعة السيارات الصينية “بايتشي فوتون للسيارات Beiqi Foton Motor”، إحدى شركة مجموعة “بايك BAIC”، حيث اشترت حقوق الاسم والشعار في عام 2014، بالتعاون مع كريستيان بورجوارد Christian Borgward، أحد أحفاد المؤسس كارل فريدريتش فيلهلم بورجوارد Carl F. W. Borgward، الذي أعاد تأسيس الشركة في 2008.

كان لدى الشركة القديمة – الجديدة خططًا طموحة عبر بيع سياراتها حول العالم، وتأسيس مصنعٍ في بريمن بألمانيا، وأسست مقرًا رسميًا في شتوتغارت بألمانيا، إنما كل هذه الطموحات لم تتحقق بالرغم مما بذلته من جهود. قدَّمت بورجوراد تشكيلة تتألف من السيارات المدمجة العاملة بمحركات بنزين – الترتيب من الأصغر للأكبر: BX3 و BX5 و BX6 و BX7-أول طراز لها كشفت عنه في معرض فرانكفورت الدولي للسيارات في 2015، إلى جانب نُسخة كهربائية صـِرْفـَة من طراز الطراز الأخير عُرِفَت باسم BXi7، علمًا أن جميع هذه الطرازات تُصنَّع في الصين باستخدام تقنيات من مجموعة “بايك”.

واكب هذا حضورٌ رياضي، إذ أسست فريقًا للمشاركة في الراليات الصحراوية، وشاركت في رالي داكار 2017، وتعاقدت مع السائق الإسباني خوان “ناني” روما، بطل الرالي في 2014، للقيادة لفريقهم في نُسخة 2020.
بدأت الشركة بدايةً واعدة نسبيًا، إذ تمكنت في عام 2019 من بيع 55 ألف وحدة تقريبًا على مُستوى العالم، وباعت سياراتها في عشرات الأسواق العالمية، ومنها أسواق الخليج العربي وآسيا ولوكسمبورغ في أوروبا وأمريكا الجنوبية، إل جانب المبيعات في الصين الشعبية، إلا إن هذه المبيعات انخفضت إلى 8740 وحدة في النصف الأول من 2020، ومن ثم إلى 3600 وحدة فقط العام الماضي، معظمها بيعَت لشركة “يوكار UCar”، إنما لم تُترجم هذه المبيعات إلى نتائج مالية جيدة، فقد خسرت بورجوارد 564 مليون دولار أمريكي في المُدّة من عام 2016 إلى عام 2018، و 675 مليون دولار في العام الماضي وحده، وفقًا لبيانات شركة فوتون في سوق شانغهاي للأسهم المالية Shanghai Stock Exchange، بالطبع لم تكن الظروف مواتية لاشتداد عود الشركة، ويبدو بأن المجموعة الصينية لم تكُن بوارد إنفاق المزيد عليها، يكفي أن نقول أن الضربة القاصمة جاءت مع تفشِّي جائحة الحُمَّة التاجية المستجدة “كوفيد 19 COVID”، حيث لم تتمكن العلامة الناشئة من التعافي من تبِعاتها.

في الحقيقة، يبدو بأن متاعب بورجوارد بدأت قبل 2020، إذ وقعت ضحية سلسلة إجراءات فوضوية أدت إلى إخراج الشركاء الألمان، وباعت “بايك” الشركة عبر عدة صفقات، منها بيع ما نسبته 67% من مِلكية بورجوارد لشركة “يوكار UCar” الصينية لتأجير السيارات ومشاركة الركوب في 2019، بمبلغ 614 مليون دولار، والتي كان تشارلز تشينغياو لو Charles Zhengyao Lu، أبرز المُساهمين فيها، لكن تشارلز هذا كان رئيسًا أيضاً لشركة متاجر القهوة لوكين كوفي Luckin Coffee، ونجم فضيحة التلاعب بحسابات الشركة ما أثَّرَ أيضاً على “يوكار” وبورجوارد معًا. وبالرغم من تحقيقها زيادةً في المبيعات لمدةٍ قصيرة، فإن هذا كان بسبب توسعة “يوكار” لأسطولها، فيما لم يكن هذا كافيًا لاستمرار العلامة مع تفشي “كوفيد 19″، الذي أضَّر بالاقتصاد العالمي عمومًا.
نشاط بورجوارد متوقفٌ منذ مدة، أفادَت أخبارٌ سابقة في 2020 بأن مقرها في ألمانيا شاغرٌ، وبأن الهواتف مفصولة، في حين أن صفحتها الرسمية في فيسبوك خاملةٌ منذ أربع سنوات تقريبًا، ولم تتمكن من تشييد مصنعها في بريمن، الذي كان من المقرر أن إنشاؤه على مساحة 140 ألف متر مربع، علمًا بأن صلاحية حجز الأرض انتهت في تموز (يونيو) 2019.

لكن أصبح الأمر رسميًا الآن، إذ أفادَ موقع أخبار السيارات أوروبا Automotive News Europe الشبكي بأن بورجوارد قد أعلنت إفلاسها رسميًا، وتسعى للحصول على موافقة محكمة الشعب المتوسطة الأولى في بكين لبيع أصولها المتبقية. تقدَّمت بورجوارد بكين بطلب إعلان الإفلاس للمحكمة في نيسان (أبريل) الماضي. تتوقع شركة صناعة السيارات الآن موافقة المحكمة على تصفية أصولها، ما يعني نظريًا أنه يُمكن للشركات الأخرى الاستفادة من المعدات والتقنيات والتصميم والإنتاج، إنما ربما تكون محاولة شكلية من مجموعة “بايك” لتصفية الاسم والتخلُّص من الالتزامات بأقل ما يمكن من المال دون خسارة الموجودات.
أما في الصين، يُقال بأن علاقتها بشركة فوتون انقطعت في الربع الأخير من 2021، وبأن الإنتاج توقف في الربع الأول أو الثاني من 2021.

شبكة الوكلاء
وكيل بورجوارد في ماليزيا شركة “غو بريمن للسيارات Go Bremen Motors”، وتوقف مبيعاتها في 2021، بعد أقل من عام من بدء عملها، بسبب توقف ورود السيارات من الشركة في الصين، ومبيعاتها المتواضعة. وتوصلت لاتفاقٍ في 2020 لبيع سياراتها في نيبال عبر شركة “دي أس أم العالمية DSM Global Co”.
أما في المنطقة العربية، فقد عرَضَت بورجوارد في معرض دبي الدولي للسيارات في 2017 طرازي “بي أكس 5” و “بي أكس 7″، وأبرمَت اتفاقات لتوزيع سياراتها، لكن يبدو بأنها تحقق مبيعات جيدة.
توصلت بورجوارد لاتفاقٍ مع وكالتين لبيع سياراتها في أوروبا: شركة “أوتوديس Autodis” لتجارة السيارات في لوكمسبورغ، و “الشركة العالمية للسيارات International Motors” في بريطانيا وإيرلندا، في 2019، لكن يبدو بأنهما لم تحققا النتائج المرجوة.

نظرة في أسباب الإخفاق بخلاف “كوفيد 19”
تطلَّعت بورجوارد، عند إحيائها، لبيع 800 ألف وحدة سنويًا بحلول عام 2020، لكن لم يتحقق هذا إطلاقًا، مع مبيعات هامشية في عددٍ من الدول الأوروبية، وهذا ليس مُجديًا في صناعة تنافسية. كما من الصعب على شركةٍ توقفت منذ جيلين، ولا يعرفها أحد تقريبًا من جيلي “أكس Generation X” و “الألفية Generation Y” (من وُلِدوا ما بين 1960 و 1996)، منافسة علامات راقية وفخمة ذات سُمعة طيبة وراسخة مع مبيعات كبيرة مثل أودي و “بي إم دبليو” وغيرهما.
يمكن القول أيضاً أن انطلاقتها ببيع سيارات بمحركات احتراق داخلي قد أثرت سلبًا عليها في حقبة تحوُّل عظيم في صناعة السيارات نحو الكهربة، نعتقد بأنها لو انطلقت علامةً للسيارات الكهربائية فورًا لكانت حققت نموًا أفضل من البناء على أمجاد الماضي.
كما استسهلت بورجوارد عملية التصنيع عبر استخدام سيارات مدمجة من علامة سينوفا Senova – إحدى علامات “بايك”، وتقديمها بغلافٍ أنيق مع مكونات أرقى، وسعرٍ أغلى بكثير، مما لم يُثِر حماسة العُملاء، علمًا بأن المجموعة الصينية أغلقت سينوفا في 2020. زادَ الطين بلةً إحجام الكثير من المُستهلكين الصينيين عن شراء السيارة بسبب تاريخها الغامض، والمُمارسات المُثيرة للارتياب من “بايك” و “يوكار” و “فوتون”.

هذه المرة الثانية التي تُعلن فيه بورجوارد إفلاسها بعد الإعلان الأول في 1961. تأسست بورجوارد في مدينة بريمن بألمانيا عام 1890، وضمت في أوج قوتها علامات بورجوارد وهانسا Hansa وجولياث Goliath ولويد Lloyd، وكانت ثالث أكبر شركة لصناعة السيارات في ألمانيا حتى أعلنت الإفلاس الأول.
ما زال الموقع الشبكي لشركة بورجوارد شغّالًا على الإنترنت حتى يوم كتابة الخبر، لذا يمكن تصفحه لمرةٍ أخيرة والتعرف على منتجاتها ومشاهدة صورها قبل أن تدخل غياهب النسيان مجددًا.