مقالات – خالد ناصير
وصلت حُمى السياسات الحمائية الاقتصادية إلى ماليزيا، حيث قال رئيس الوُزراء مهاتير مُحمد بأن حُكومته تنظر في مسألة فرض قيودٍ على واردات السيارات من أجل حماية العلامات الوطنية.
تُفكر الحُكومة الماليزية، برئاسة الدكتور مهاتير محمد، في فرض قيودٍ على واردات السيارات للبلاد وذلك من أجل حماية صناعة السيارات فيها. وحررت ماليزيا، التي تُعتبر ثالث أكبر اقتصاد في جنوب شرق آسيا، صناعة السيارات المحلية خلال العقد الماضي، مما سمح باستيراد سياراتٍ أرخص، ولكن جاء ذلك على حساب شركة السيارات المحلية “بروتون”، التي عانت للبقاء قائمة في سوقٍ تنافسي.
وقال محمد: “سنفرض قيودًا على جميع مصانع شركات السيارات العالمية التي تُنتج سيارات، على صعيدي المُتطلبات والضرائب، بحيث يُمكننا الدفاع عن صناعتنا التي ما تزال في طور النُمو. علينا النظر في حالة الضعف التي نُعاني منها الآن [في صناعة السيارات]، حيث علينا حمياتها”.
وإضافةً إلى علامة بروتون، يوجد في ماليزيا علامة بيرودوا Perodua [بالتعاون مع دايهاتسو Daihatsu]، إضافة إلى نازا Naza [بالتعاون مع كيا وبيجو]، إلى جانب شركاتٍ أخرى تعمل بالشراكة مع هوندا وتويوتا ونيسان ورينو وإيسوزو وفولفو ومرسيدس، تبيع سيارات مُستوردة أو مُنتجة محليًا.
وعلى صعيد العلامات المحلية، تستحوذ بيرودوا على 40 بالمئة وفق بيانات 2017، الصادرة من “اتحاد صانعي السيارات الماليزيين MAA”، في تتصدر هوندا اليابانية قائمة العلامات الأجنبية مع 12 بالمئة.
وتأسست بروتون في العام 1983، إبان السنوات الأولى من فترة الحُكم السابقة لمهاتير مُحمد، كجُزءٍ من خطةٍ وطنية نحو نقل البلاد لعصر الصناعة، بعد حوالي عقدين من مُحاولات تشجيع الصناعة وتوطينها ونقل الخبرات والتقنية، وتمكنت بروتون من الاستحواذ على 73بالمئة من السوق خلال عقدٍ واحد، وذلك بفضل مجموعةٍ من الحوافز من الحُكومة الاتحادية لتشجيع المُواطنين لشراء سياراتٍ محلية، من بينها منح السائقين قُروضًا مُيسرة.
ولكن، تراجعت حصة بروتون لنحو 15 بالمئة (في 2017)، مع تأثر سُمعتها من الجودة المُنخفضة لسياراتها، ومحدودية خدمات ما بعد البيع، ضاعفها المُنافسة المُتأتية من صانعي السيارات الأجانب. ولكن حصلت الشركة على دفعة قوية، العام الماضي، عندما استحوذت مجموعة تشيجيانغ جيلي Zhejiang Geely القابضة الصينية على 49.9 بالمئة من أسهمها.
وصرح مهاتير مُحمد بأن الدول المُتطورة تستخدم العديد من شروط استيراد السيارات مثل “يورو 5 Euro” لانبعاثات العوادم الغازية وأنظمةً ضريبيةً للتحايل على قواعد التجارة الحرة وتقييد صادرات السيارات الماليزية.
حيث قال: “مع ذلك، نحن مُنفتحون للغاية، يُمكن لأي صانع للسيارات الدخول للسوق الماليزية، حتى لو كان ذلك باستخدام عُلب معدنية [رخيصة وغير آمنة]. ولهذا علينا البحث في الفُرص التي تُتيحها هذه الشروط، من أجل أن لا يدخل صانعو السيارات الأجانب لبلادنا بسهولة، وبذلك نمنح بروتون وصناعة السيارات الوطنية إمكانية استعادة مكانتهم في السوق المحلية”.
هذا وأشار مُحمد في حزيران (يونيو) الماضي بأنه يجب تشجيع إنشاء علامة سيارات وطنية ثالثة في البلاد، من أجل الاستفادة من الكفاءات الهندسية الشابة والقُدرات الصناعية.
ولكن هنالك رأيٌ آخر…
مع ذلك، لم تسلم مُقترحات مهاتير مُحمد من الانقتادات، فقد قال عادل أمير الله من معهد الشؤون الديموقراطية والاقتصادية IDEAS، أن على الحُكومة الماليزية أن تكون مُنفتحة على التجارة وتبحث عن التنافسية، بدلًا من الدعم الحُكومي. وأن تكون واضحةً بشأن خططها في هذا المجال.
وقال عادل: “ما يزال هنالك العديد من الطرق لضمان أن تبقى صناعة السيارات المحلية تنافسية، منها خفض الجمارك العالية على السيارات المُستوردة من أجل خفض الأسعار، وتحفيز صانعي السياارت المحليين على إنتاج سيارات أعلى جودة”.
كما يعتقد مصرف آفين هوانغ الاستثماري Affin Hwang بأن يضر الحظر – في حال فرضه – الشركات المحلية التي تتشارك مع شركات االسيارات الأجنبية لصنع السيارات في ماليزيا إلى جانب الشركات المحلية الأخرى التي تُزودهم بالقطع والمُكونات.

نبذة عن صناعة السيارات الماليزية
وفيما يتعلق بصناعة السيارات الماليزية، تُنتج مصانعها سنويًا 500 ألف سيارة تقريبًا، إضافة إلى كمية كبيرة من قطع السيارات وأجزاءها ومُكوناتها، وتُشغل 700 ألف موظف وعامل في الإجمال، بحيث تحتل المركز 23 عالميًا. ولكن لم ينعكس ذلك على الصادرات، حيث لا تصدر سوى بضع آلاف من الوحدات يتجه بمُعظمها للأسواق المُجاورة.
ومُنذ إعلان الاتحاد الماليزي، في 16 أيلول (سبتمبر) 1963، عمد السياسيون الأوائل إلى إصدار تشريعات تهدف لتشجيع تحول البلاد نحو الصناعة، عبر دعوة شركات السيارات لإقامة مصانع تجميع للسيارات، بهدف توطين الصناعة ونقل الخبرات والتقنية، على أمل أن تُؤدي هذه السياسة لإنشاء علامة سيارة وطنية في غضون 15 إلى 20 سنة. ولكن فشلت في تحقيق هدفها الأسمى، مما دفع الحُكومة الماليزية لتولي زمام المُبادرة وأسست في العام 1983 “شركة السيارات الوطنية Perusahaan Otomobil Nasional – PROTON”، بالتعاون مع شركة ميتسوبيشي اليابانية. تبعها إنشاء “شركة صناعة السيارات الثانية الخاصة Perusahaan Otomobil Kedua Sendirian Berhad -Perodua” في العام 1993 من طرف “يوم أم دبليو القابضة UMW Holdings” وبالتعاون مع دايهاتسو اليابانية.
كما يوجد العديد من الشركات المحلية التي تصنع وتُجمع سيارات ومركبات تجارية وخدمية بالتعاون مع شركات أجنبية، مُعظمها يابانية.
