ستعمل شركة جنرال موتورز الأمريكية على تعزيز وضع علامتها الصينية “باوجون Baojun” وذلك من أجل الاستحواذ على حصة إضافية في سوق السيارات الصيني، خصوصًا مع نُمو الطبقة المُتوسطة.
تأسست علامة السيارات الصينية “باوجون Baojun” – الذي يعني “الحصان الأصيل” – في العام 2010 نتيجة اتفاق ما بين جنرال موتورز الأمريكية وشركتَيْها الصينيتان “وولينغ موتورز Wuling Motors” و”سايك موتور SAIC Motor Corp”، وتشتهر وولينغ بإنتاج شاحنات مُغلفة تجارية وحافلات ركوب صغيرة خفيفة وزهيدة الثمن، والتي يقتنيها العديد من المُستهلكين كسيارات عائلية.
كما تبيع جنرال موتورز سياراتها هناك، والتي تحمل علامات شيفروليه وكاديلاك وبيويك، وتحظى العلامة الأخيرة بشعبية واحترام كبيرين، حيث تُعتبر رمزًا للأُبهة، ويقتنيها الأثرياء، مرده أن سيارات بيويك كانت المُفضلة لدى العائلة الإمبراطورية الصينية، قبل انهيارها قبل قرن تقريبًا. والآن تبيع بيويك في الصين ما يتجاوز بكثير مبيعاتها في وطنها الأم.
تصنع باوجون سيارات زهيدة الثمن، بسعر مُتوسط لا يتجاوز 10 آلاف دولار، وإن كان هنالك بعض الطرازات أكبر حجمًا وأعلى تجهيزًا يُلامس سعرها سقف 20 ألف دولار، تُصمم عادةً لدى شُركائها، أو في “المركز الآسيوي التقني للسيارات PATAC”، وتُصنع وتُطور اعتمادًا على مكونات وتقنيات استُخدمت في الأجيال السابقة لسيارات شيفروليه، أي وبلغة عالم السيارات، يُمكن القول أن تكاليف تطوير سيارة وانتقاء مكوناتها من المُوردين يكون زهيدًا للغاية، إن لم يكن معدومًا، على اعتبار أن نسبة كبيرة من مُكونات السيارة موجود فعلًا.
لماذا تفعل جنرال موتورز هذا؟
للوهلة الأولى، يرى البعض أن لا حاجة لجنرال موتورز لفعل هذا، فلديها مجموعة من الطرازات تنتمي لمعظم الفئات الهامة، فلماذا تدخل بشراكة مع الآخرين وتُؤسس علامة جديدة؟
الجواب له بُعدان، الأول منهما تاريخي؛ خلال طفرة النُمو الاقتصادي في الولايات المُتحدة بعد الحرب العالمية الثانية، وضع آلفريد سلون الابن Alfred Sloane Jr.، رئيس جنرال موتورز، خطةً مُلخصها أن تضم الشركة علامات “لكل ميزانية وغرض”، ووفق هذه الخطة كانت شيفروليه تقبع في أسفل هرم علامات الشركة، كسيارات موجهة لذوي الدخول العادية، مع الارتقاء في السلم مع استهداف الطبقات الأعلى دخلًا وأثرى تدريجيًا، مع بونتياك Pontiac، وأولدزموبيل Oldsmobile، وبويك Buick، وصولًا إلى كاديلاك Cadillac، التي تُمثل الواجهة الفخمة في تشكيلة جنرال موتورز.
وعليه، تُكرر جنرال موتورز هذه الخطة في الصين، وإن على نطاقٍ أصغر من ناحية العلامات المُتوافرة، حيث تؤدي “باوجون” دور العلامة الموجهة لذوي الدخول المتوسطة، وقال رئيس جنرال موتورز، دان آمان: “إذا حققت المُدن الأصغر نُموًا أعلى من المُدن الكُبرى، فسنتوجه إليهم. نحن صانع السيارات الكبير الوحيد الذي يُوفر علامات محلية وخاصة بنا”.
والسبب الآخر، وهو الأهم، تُدرك جنرال موتورز أن الموجة التالية من مُشتري السيارات في الصين ستأتي من المُدن الأصغر، خُصوصًا الواقعة في القسم الداخلي للبلاد، التي تنمو فيها الطبقة الوسطى مع تزايد إمكانيات شراء سيارة. وهي موجة بدأت تقوى، حيث تضاعفت مبيعات “باوجون” عشرة أضعاف مُنذ العام 2013، وباعت العام الماضي مليون سيارة تقريبًا، مُتفوقةً على علامة شيفروليه وليست بعيدةً عن بويك. ومن المُتوقع أن ترتفع مبيعات باوجون لتصل إلى 1.5 مليون وحدة سنويًا بحلول العام 2023، مما يعني أنها قد تتجاوز مبيعات بويك في الصين.
وللصين وصع خاص، فهي بلد يفوق عدد سُكانه مليار نسمة، وما يزال في طور النُمو، إذ من المُتوقع أن يدخل مئات الملايين منهم في تعداد الفئات الوسطى، خصوصًا في الأقاليم الداخلية، ويترافق ذلك مع توجه الحكومة لتشجيع الصينيين على الاستهلاك، وإن كان بطريقةٍ مُقننة ومدروسة، لتحفيز نُمو النشاط التجاري. كما يوجد عدد كبير من شركات السيارات المحلية مثل “شيري Chery”، و “بي واي دي BYD”، و “جيلي Geely”، و “فاو FAW” التي تتنافس فيما بينها للاستحواذ على أكبر نسبة مُمكنة من السوق، وبيع مليون سيارة، في سوق مُكتظ بشركات السيارات أصلًا وما يزال شرهًا للمزيد، يُغري أي صانع بتقديم المزيد.
ولإضافة المزيد، تُريد جنرال موتورز خلق شعور ولاء لدى المُستهلك الصيني، فالموظف المُبتدئ أو التاجر الصغير الذي يشتري باوجون اليوم، قد يرتقي في السلم الوظيفي أو يُنمي عمله ويشتري شيفروليه بعد عشر سنوات، وربما يشتري بويك أو كاديلاك بعد عشرين، وهكذا سيبقى عميلًا لدى الشركة مهما كانت السيارة التي يشتريها.
وتعول الشركة الأمريكية على النُمو الصيني، فقد أصبحت في موقف لا تُحسد عليه إثر خسارتها أسواقًا هامة، فقد انسحبت العام الماضي من الهند، إثر إخفاقها في اختراق السوق الهندي، الذي يُفضل السيارات الصغيرة الاقتصادية، وتُهيمن عليه العلامات اليابانية؛ على رأسها سوزوكي، والمحلية مثل تاتا وماروتي.
كما أنهت تواجدها في أوروبا العام الماضي، إثر بيعها “أوبل – فاوكسهول” لشركة “بيجو – سيتروين” الفرنسية، فضلًا عن وقف بيع سيارات شيفروليه، وقامت قبلها بأعوام، بتصفية شركة ساب السويدية التي كانت مُنضويةً تحت جناح الشركة الأمريكية. في حين غادرت روسيا في العام 2015 بسبب حالة عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي.
وعلى عكس هذا المنظر القاتم في الأسواق الأخرى، يُمكن القول بأن جنرال موتورز تشهد “ربيعًا مُزهرًا” في الصين، فقد باعت هي وشُركائها 4 ملايين وحدة في 2017، أي أكثر بمليون وحدة عما باعته في الولايات المتحدة. كما جنت “جنرال موتورز الصين” بليوني دولار كأرباح في العام الماضي، شكلت 18 بالمئة من أرباح الشركة الأم.
إلى ذلك، من المُتوقع أن تُسجل سوق السيارات الصينية مبيعات بمقدار 5 ملايين وحدة سنويًا خلال السنوات الخمس القادمة، لتصل إلى 34 مليون وحدة، وذلك وفقًا لأحد الباحثين في “أل أم سي أوتوموتيف”.
ما الذي تُقدمه باوجون؟
بنت باوجون شبكةً من وكالات التوزيع عبر المُدن المُتوسطة الحجم، لا بل وصلت إلى المُدن الكبرى مثل العاصمة بكين، حيث من المُتوقع أن يكون الطلب على السيارات الأرخص. فيما تُسوق الشركة نفسها تحت شعار “شريكك الموثوق Your Reliable Partner” من أجل مُخاطبة الجمهور المُستهدف بأن سياراتهم ذات جدارة عالية وتصميم أنيق مُقابل سعرها المُنخفض.
وبحسب تشيان ويجين، مُدير أحد وكالات التوزيع في ليوشو: “بالتأكيد ليست بمُستوى العلامات الراقية، ولكن قيمتها جيدة، لن تجعلك تتباهي بها، ولكنها لن تُخجلك أيضاً”.
تشكيلة باوجون الحالية:
عائلة 300، تستند على شيفروليه سايل Sail، وتنتمي للسيارات الصغيرة، وتُباع بسعر يتراوح بين 5800 و 9500 دولار، وتتضمن الهاتشباك 310، والصالون 330، وممدودة الصندوق 310W.

طراز 510 من فئة المركبات المُدمجة الصغيرة جدًا

طراز 530 من فئة المركبات المدمجة، يُباع بسعر يتراوح ما بين 12400 و 18800 دولار
طراز 560 من فئة المركبات المُدمجة الصغيرة؛ يُباع بسعر 11 ألف دولار

طراز 630 من فئة الصالون الصغيرة، طورت استنادًا على الجيل الأول من شيفروليه أوبترا.
طراز 730 من فئة المركبات مُتعددة الاستعمال MPV يتسع لسبع ركاب؛ يُباع بسعر يبدأ من 15 ألف دولار

كما أطلقت العام الماضي سيارةً كهربائية صغيرة للغاية اسمها “إي 100 E” تُباع بسعر يُقارب 14 ألف دولار، ولكن تصل للمُستهلك بسعر 5300 دولار تقريبًا في حال حصل على الإعفاءات الضريبية الحُكومية.

وبحسب مات تسين، رئيس جنرال موتورز الصين، تتوقف أسعار سيارات باوجون حيث تبدأ أسعار سيارات شيفروليه.
ولكن، لا يعني هذا السعر الزهيد بأن سيارات باوجون قليلة التجهيز، أو رديئة الجودة، بل إن في طرازاتها خيارات تشمل مُكيف هواء، ونوافذ كهربائية، وشاشة لمسية مُلونة للنظام المعلوماتي الترفيهي. ولكنها تأتي مُجهزة بعُلب تُروس يدوية، وتخلو من الأنظمة المُساعدة المُتطورة مثل نظامي الكبح الآلي الطارئ، أو التحذير من مغادرة المسار، والمقود المُدفأ، وخدمة الاتصال عبر نظام “أون ستار OnStar”.
كما يأتي جُزء من هذا السعر الزهيد من التكلفة المُنخفضة لتطوير السيارة، كما ذكرنا آنفًا، إلى جانب أنها تُصنع في الأقاليم النائية، حيث تكون أجور العمالة أقل من أجور نُظرائهم العاملين في مصانع الشركة في المناطق الساحلية والكبرى. ووفقًا لرون هاربور، الشريك الإداري في مكتب “أوليفر وايمان” الاستشاري في ديترويت، يتقاضى العاملون في مصنع باوجون في ليوشو ما بين 5 و 7 دولارات للساعة الواحدة، مُقارنةً بـ 10 دولارات في الساعة للعامل في مصنع بكين أو شانغهاي.
وتُساهم مجموعة العوامل التي تُقلل من التكاليف في تعظيم أرباح الشركة في نهاية المطاف، كما تُعول على عامل القيمة مُقابل السعر، فهي تصنع مركبات أكبر مما تُقدمه العلامات الأخرى وبسعر أقل، ومع أنها تبيع مُنذ العام 2017 ثلاثة من طرازاتها بسعر 10 آلاف دولار على الأقل، فيما يقترب سعر اثنين منهم لحد 20 ألف دولار مع الإضافات، إلا أن أسعارها تبقى أقل مُقارنةً بالإضافات المُقدمة والحجم.
ولإضافة الفاكهة لقالب الحلوى، تستغل جنرال موتورز هذه الشراكة مع وولينغ وباوجون في بيع بعض الطرازات الصينية في أسواق أخرى، مثل أسواق جنوب شرق آسيا والشرق الأوسط وشمال أفريقيا وأمريكا اللاتينية.
فهي تبيع باوجون 630 من فئة الصالون الصغيرة، تحت اسم شيفروليه أوبترا 2017 في العديد من الدول، مثل مصر والجزائر.

كما تبيع بعض طرازات وولينغ لحسابها، مثل حافلة الركاب الصغيرة وولينغ هونغ جوانغ Hong Guang تحت اسم شيفروليه إنجوي Enjoy في الأسواق الآسيوية، كما تبيع الشاحنة الخفيفة المُغلقة وولينغ رونغوانغ باسم شيفروليه “أن 300 N”، و”هونغتو Hongtu” شيفروليه “أن 200 N” في أمريكا اللاتينية والشرق الأوسط وشمال أفريقيا.